طالب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط ، تركيا بالوقف الفوري والكامل لكافة العمليات العسكرية وسحب قواتها التي توغلت داخل الأراضي السورية.
وحمّل أبوالغيط ، في كلمته اليوم السبت أمام الدورة غير العادية لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري برئاسة العراق لمناقشة العدوان التركي على شمال شرق سوريا ، تركيا المسئولية كاملة عن التبعات الإنسانية والأمنية التي قد تترتب على هذا العدوان الخطير.
وقال :”إن اجتماعنا الطارئ اليوم يجب أن يسمي الأشياء بأسمائها، فالعملية العسكرية التي تقوم بها تركيا في شمال شرق سوريا ليس لها سوى اسم واحد هو الغزو والعدوان، غزو أراضي دولة عربية وعدوان على سيادتها “.. مؤكدا أنه غزوٌ مُدان لا يُمكن أن يقبل به عربي يعتز بعروبته ولا يُمكن أن يُقره العالم أو يتماشى معه.. مشددا على أنه مهما كانت الذرائع التي يُقدمها الغازي، يظل العدوان عدوانًا مرفوضًا ومدانًا وخارجًا على الشرعية والقانون الدولي.
وأضاف أبوالغيط : “إن أحدًا لا ينكر الوضع المعقد القائم في سوريا منذ أكثر من ثمان سنوات وهو وضعٌ كان من شأنه أن غابت الدولة السورية حتى هذه اللحظة عن احتلال مقعدها في مجلس جامعة الدول العربية” .. مشيرا إلى أن هذا الوضع ، المؤقت بطبيعة الأمور ، لا يُمكن ولا ينبغي أن يُتخذ تكئة لسلخ سوريا من عروبتها.
وأكد أن سوريا دولة عربية عضو في هذه المنظمة كانت وستظل أرضها هي أرض عربية وأمنها جزء من الأمن العربي..قائلا : “إن الاعتداء بهذه الصورة التي نراها اليوم على وحدة التراب السوري، هو بكل تأكيد تهديد للأمن العربي الجماعي”.
وأضاف :” نعم لقد تصارعت أجندات ومصالح أجنبية على الأراضي السورية لسنوات على خلفية حرب طاحنة مزقت نسيج هذا البلد، وهذا المجلس أدان ويُدين كافة أشكال التدخل الأجنبي على الأراضي السورية أيًا كان الطرف الذي يمارسها بل يعتبر هذه التدخلات سببًا في نكبة سوريا وإطالة أمد أزمتها، على أن ما نشهده اليوم من جانب تركيا هو أمر مختلف في مداه وغايته”.
وأشار إلى أن العدوان التركي، كما طُرحت خططه وحُددت أهدافه، يرمي إلى اقتطاع مساحة من الأراضي السورية بعمق يصل إلى 32 كيلومترًا وبطول يتجاوز 400 كيلومتر، ويسعى إلى اقتلاع السكان من هذه الأراضي، ثم إحلال آخرين محلهم من اللاجئين لديه ، وتساءل : إن لم يكن هذا احتلالا وغزوا، فبماذا يُمكن تسميته؟.
ولفت أبوالغيط إلى أن الساعات الأولى للغزو شهدت فرار عشرات الآلاف من منازلهم ، وقد تصل أعداد الفارين والنازحين مع استمرار العمليات ووفقًا لبعض التقديرات إلى أكثر من 300 ألف ، وهناك مخاوف حقيقية من تطهير عرقي محتمل للأكراد في هذه المنطقة.
وأكد أن خطط التغيير الديموجرافي بتسكين الملايين -كما أعلن الجانب التركي- محل من سيتم طردهم، فهي -في حقيقة الأمر- عارٌ أخلاقي وإنساني فضلًا عن كونها منافية على طول الخط للقانون الدولي الذي ينص على العودة الطوعية الآمنة والكريمة للاجئين.
وقال أبوالغيط : “إن ما سمعناه في الأيام الأخيرة من استخدام اللاجئين كورقة مقايضة في مواجهة الجانب الأوروبي يعكس انحدارًا جديدًا غير مسبوق “.. مؤكدا أن الضغط على العالم بالتلويح بمصير اللاجئين ليس من الأخلاق، وليس من الإنسانية، وليس من الإسلام.
وأضاف :”في إمكاننا أن نتجادل كثيرًا حول ما أوصل الأمور في سوريا إلى هذه النقطة البائسة ، وأي طرف يتحمل أي نصيب من المسئولية ، ولكن أحدًا لا يجادل أبدًا في أن أهل سوريا، عربًا وكردًا، هم أهلنا ، نتألم لألمهم ونهتم بمصيرهم”.
وتابع أبوالغيط :” قد يكون للبعض منا تحفظاته المشروعة على أجندات وأهداف وتصرفات بعض الجماعات والتنظيمات الكردية، التي لا تصب في صالح وحدة التراب السوري ، ولكن يظل الأكراد جزءًا من نسيج الدولة والمجتمع السوري ، بل ونُشيد بما تحملوه من تكلفة – بالدم والعرق- من أجل إزاحة كابوس الحكم الداعشي من مناطق شرق سوريا، ولا يُمكن أن نُقر أبدًا أن يتعرضوا للإبادة أو التطهير العرقي، أو أن يهجروا من بيوتهم التي جاءها الكثير منهم نازحًا من مواطن أخرى هاجمتها تركيا في وقت سابق”.
وقال :”إنه من الواضح لدينا جميعًا أن هذا العدوان التركي سوف يُفضي إلى أزمات جديدة ولاجئين ونازحين جددًا وعذابات إنسانية بلا حصر وربما كان الأثر الأخطر متعلقًا بتهديد الإنجازات التي تحققت في الحرب على داعش”..مشيرا إلى أن هناك 12 ألف عنصر إرهابي متحتجزون في سبعة سجون ينتمون إلى تنظيم الدولة الإسلامية في المناطق التي تسعى تركيا إلى احتلالها، من بين هؤلاء أربعة آلاف من المقاتلين الأجانب.
وأكد أبو الغيط أن العدوان التركي، في ضوء هذه المعطيات، لا يُمثل فقط تهديدًا للاستقرار الإقليمي وإنما يُعد خطرًا حقيقيًا على الأمن والسلم الدوليين..داعيا المجتمع الدولي لتحمل مسئولياته حيال هذا التهديد الحال والدها لأمن العالم.
وقال :” من المؤسف أن مجلس الأمن قد صادف فشلًا واضحًا، حتى الآن، في التعامل مع العدوان التركي، بسبب بعض الاختلافات داخله، وبالأخص ما يتعلق بمواقف بعض الدول دائمة العضوية فيه “.
وحث أبوالغيط ، مجلس الأمن، بما يمثله من مرجعية للشرعية الدولية لتحمل مسئولياته حيال هذا الموضوع الخطير، والعمل بجدية أكبر من أجل التوصل لموقف دولي موحد بإدانة هذا العدوان ووقفه وإزالة الآثار المترتبة عليه.