نشرت خديجة جنكير، خطيبة الصحافي السعودي جمال خاشقجي مقالا نشر بالتزامن في عدة صحف عالمية هي “الغارديان” البريطانية، و”واشنطن بوست” الأمريكية، و”لوموند” الفرنسية، و”بوبليكو” الإسبانية، و”عربي21“، كما ينشر غدا في دير شبيغل الألمانية.
وطالبت جنكيز في مقالها العالم بـ”الاتحاد وتقديم قتلة خطيبها جمال خاشقجي إلى العدالة”.
وقالت: “مضى بالضبط شهر كامل على دخول خطيبي الصحافي المعروف جمال خاشقجي إلى قنصلية السعودية في اسطنبول، ولم يخرج منها. واليوم هو اليوم العالمي للأمم المتحدة لإنهاء الحصانة من العقاب ضد الصحافيين. والتزامن مأساوي ومؤلم. فحتى الشهر الماضي كان جمال يرسل لي مقالاته التي كتبها وكنت أقرأها بحماس وبعدها أتصل به لأعلق عليها. وكان عادة ما يستمع بانتباه شديد، وبعدها نناقش ما كتبه. والآن أكتب عنه وشعوري أنه رحل”.
وتضيف: “في الحقيقة أجد صعوبة في فهم أنه مضى شهر أم عمر كامل منذ أن غاب عني جمال، فعندما انتظرت خروجه من القنصلية لساعات طويلة، شعرت أنها عام كامل. وكانت مليئة بالترقب، وطالت مدة انتظاري، لكن جمال المرح لم يعد وكل ما جاءت هي أخبار موته”.
وقالت إن المدعي العام في اسطنبول أصدر أثناء كتابتها المقال بيانا قال فيه إن جمال خنق ثم قطع وتم التخلص من جثته. وهذا وحشي وبربري وقاسٍ. فأي جريمة ارتكب حتى يعاقبوه بهذه الطريقة؟ وما هو سبب قتله بهذه الوحشية؟ لا تفسير لكل ذلك إلا الحقد”.
وتؤكد جنكيز على أهمية تذكّر جمال “كرجل اللطف والصبر والسخاء والحنان والحب. وكل ما كان يتطلع إليه هو بداية حياة جديدة لتخفيف حنينه لوطنه. ومواصلة حياته الوحيدة بنوع من السعادة. وفي هذه الرحلة كان يمكن أن أكون الرفيقة والصديقة. وآمل أنه عرف كم كان نفيسا عندي أن أبدأ حياة جديدة معه”.
وتقول إن “قتل جمال الوحشي هزّ العالم، لأننا خسرنا صوتا عالميا مهما. وفوق كل هذا فقد دافع عن الخير والأخلاق. وساعدنا على فهم العلاقة المعقدة مع الشرق الأوسط، ولكنه وضع حياة وحقوق الناس أولا. وفي مماته، أضاءت المبادئ التي قاتل من أجلها طوال حياته: الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والإيمان الأساسي بأن كل شخص يجب أن يختار من يحكمه عبر صندوق الاقتراع. وكما رأينا من الغضب العالمي على مقتله، فعلى القتلة أن يعرفوا أنهم لن يمحوا أبدا رؤيته التي حملها من أجل بلده الذي أحبه، بل على العكس شجعوها”.
وتقول: “أصبح الأمر الآن متروكا للمجتمع الدولي لجلب القتلة إلى العدالة. ومن بين كل الدول على الولايات المتحدة أن تقود. فهي الدولة التي قامت على مُثل الحرية والعدالة للجميع. والبند الأول من الدستور يعبر عن المُثل التي جسّدها جمال. ومع هذه المأساة اتخذت إدارة ترامب موقفا يخلو من الأسس الأخلاقية. وتعامل البعض مع القضية من خلال المصالح التي تخدم الذات، وتم تأطير البيانات بناء على الخوف والجبن.. الخوف من التأثير على الصفقات بين الدول أو العلاقات الاقتصادية. ويأمل البعض في واشنطن بنسيان هذا الموضوع من خلال الأساليب التي تعمل على تأخيره. ولكننا سنواصل دفع إدارة ترامب للمساعدة في تحقيق العدالة لجمال ولن يكون هناك تستر على القتلة وعلى الجريمة.. واليوم أدعو المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات عملية وجدية والكشف عن الحقيقة ومحاكمة المتورطين أمام المحكمة وتسليم جثة جمال التي لا تزال مفقودة لأحبائه”.
وتقول: “أنا لست ساذجة وأعرف أن الحكومات لا تعمل بناء على المشاعر، بل على المصالح المتبادلة. ولكن عليها أن تسأل نفسها السؤال الأساسي. لو لم تقم الديمقراطيات باتخاذ الخطوات الحقيقية لتقديم المتورطين إلى العدالة بسبب هذا العمل الوقح والقاسي والذي أدى إلى غضب بين كل مواطني العالم، فكم يبقى من السلطة الأخلاقية؟ ومن الذي سيواصل الدفاع عن حريته وحقوقه؟”.
وتمضي قائلة: “نحن الآن نتعرض لامتحان الإنسانية، ونحتاج إلى قيادة. وتقع المسؤولية الكبرى على رؤوس قادة الحكومات. ويقوم رئيسي رجب طيب أردوغان وكل مؤسسة سياسية وقضائية تركية بالتعامل مع هذه القضية بقدر ما يستطيعون”.
وتضيف: “لكنني أدعو أيضا قادة الدول الأوروبية والولايات المتحدة إلى النجاح في هذا الامتحان. ويجب أن تأخذ العدالة مجراها. وأطالب بجلب من قاموا بهذا الاغتيال المقصود والوحشي إلى العدالة. ويجب محاكمة من أمروا بهذه الجريمة حتى لو كانوا في مناصب عالية. وأطالب بالعدالة لحبيبي جمال. ويجب أن نرسل رسالة واضحة لكل الأنظمة الديكتاتورية مفادها أنهم لن يستطيعوا قتل الصحافيين مرة أخرى”.
تختم قائلة: “اشترى جمال بيتا وكان يحلم ببناء عائلة، وكان يختار أدوات المنزل بفرح. وكان قد أرسل قمصانه إلى “الدراي كلين” بعد عودته من لندن. ولكنني تُركت أمام الباب وحيدة. وأنا القصة الوحيدة التي لم يكملها جمال. والآن على الجميع أن يساعد في كتابة نهاية لهذه القصة وحمل لمسة روح جمال حتى يتحقق حلمه”.