تراه وسط الجموع شاحب اللون مخطوف الوجه، عيناه مفزوعة كالذي يرى الموت بعينه، ويتمناه فلا يذوقه، تعجز قدماه عن الوقوف حتى أسنده المحيطين به.
دموعه بللت وجهه الذي رسمته تجاعيد الشيخوخة، حملت في طياتها أعواما من الفرح والحزن، كرب وفرج، نجاح وفشل، حياة طويلة عاشها الفنان القدير رشوان توفيق، خيوط شيخوخة وعجز رسمتها الحاجة أميمة، يوما بعد يوم ظلت بجواره حتى استطاع أن يقف على قدميه بعدما كبر، ولكن كأن الحزن وجد طريقه إلى قلب رشوان توفيق فأراد أن يكشر عن أنيابه أمامه مرة أخرى بعدما نزع الموت عنه ابنه، واليوم سرق منه العصا التي يستند عليها، ليخطف الموت السند الذي اعتمد عليه، نور حياته الذي أضاء طريقه حتى قال عنها:”بسميها عمري ونور حياتي هي”.
رشوان توفيق والحاجةلم يهتم الفنان القدير رشوان توفيق بالنجومية في الوسط الفني بقدر ما بحث عن أداء رسالته في مهنته، وعلى عكس غيره كان قليل الظهور في الشاشات واللقاءات الإعلامية، ولكن في المرات القليلة التي ظهر بها، كان محور حديثه يدور حول شخص واحد، الحاجة أميمة، رفيقة دربه، وشريكة حياته التي تقاسمت معه روحه وقلبه ودنياه، قصة حب عمرها ثلاثة وستون عاما، شعارها الوفاء والإخلاص، العطاء والكفاح، تعاهدا على السير سويا حتى لم يفرقهما سوى الموت، ليرحل قلب رشوان توفيق أمس تاركا وراءه قلبا بكى الدموع دمًا على فراق حبيبته.
رشوان توفيق والحاجةقصة حب بدأت بينه وبين الحاجة أميمة منذ عشرات السنين، يقصها رشوان توفيق في أحد لقاءاته الإعلامية قائلا: “كنت أمثل في جامعة القاهرة مسرحية شهريار، وأهديت شقيقتها التي كانت تسكن بجواري، تذاكر لحضور العرض، وحضرت الأخت برفقة شقيقتها عنوة وعلى مضض، وحتى بعد انتهاء العرض، أقبلت إلى شقيقتها في الكواليس، لكن الفتاة ظلت جالسة على كرسيها ترفض الحراك، وبعد انتهاء العرض، جلست الفتيات يتسامرن عن فتى أحلامهن، لتبادرهن الفتاة المنشودة أنها تفضل الزواج من شاب تكافح معه من الصفر”.
رشوان توفيق والحاجةنقلت ابنة شقيق رشوان توفيق ما حدث في جلسة السمر إلى عمها، وحدثته عن تلك الفتاة التي تتمنى الكفاح مع زوجها لتحصد ثمار تعبهما سويا، لتبدأ منذ ذلك الوقت شرارة الحب بينها، وينشغل باله بالفتاة الأصيلة التي فضلت المحاربة على الطريق السهل، ليقرر خطبتها عام 1956، وتزوجا بعدها بعام واحد، ليبدأ مشوار حياتهما.
“هي عمري.. كافحت معي كفاحا مريرا، وسارت معي مشوارا قاسيا”، لا يخجل الرجل الذي خط الشعر الأبيض خيوطه على رأسه وكبر، من الإفصاح عما بداخله من حب لزوجته، فقال عنها: “إنها من أولياء الله الصالحين” لما عانت من تعب في مرضها بأيامها الأخيرة، حتى أراد الله أن يغفر لها ذنوبها، عاش بجوارها حياة طويلة، رفض عروضا للتمثيل فقط للبقاء بجوارها ودعمها في مرضها، كانت في عينيه ملكة جمال فلم ير سيدة غيرها ولم يدق قلبه لسواها، فتوجها ملكة عرشه، التي يتغزل بها في كل جلسة سمر وحديث، ولا يكف عن الكلام عن حبها وطلب الدعاء لها لشفائها، حتى أزاح القدير عنها المرض لتذهب لمثواها الأخير.