الخبر نيوز | شبكة إخبارية مستقلة

رمضان فرصة للتغيير.. «الصوم» صحة ورشاقة وترميم للجسم

نمط الحياة الحديث أوجد الكثير من العادات الغذائية غير الصحية التى أدت إلى انتشار أمراض سوء التغذية كالسمنة، والسكرى، والكولسترول، وأمراض القلب، ولأن أكثرنا يجد صعوبة فى تغيير نمطه الغذائي؛ لذا ينصح خبراء التغذية باستغلال أداء فريضة الصيام لتغيير العادات غير الصحية وتحسين نمط الحياة، خاصة أن الصيام كما أثبتت العديد من الدراسات فرصة لإعادة بناء الجسم وترميمه.

تقول د. يُسر كاظم أستاذ التغذية الطبية بالمركز القومى للبحوث إن الأبحاث الحديثة أظهرت أهمية الصيام في تحسين الصحة، وظهر مفهوم الصيام المتقطع بصورة المتعددة وأكثرها فائدة؛ صيام 8-16 ساعة؛ حيث يسمح بتناول الطعام لمدة 8 ساعت فقط ويتم الصيام 16 ساعة كل يوم، وهو مطابق لصيام رمضان، والأبحاث العلمية عن أهمية الصيام المتقطع لا علاقه لها بالدين، ولكنها خلاصة أبحاث علمية موثوق فيها.

وبالتالى فإننا لو أحسنَّا الصيام سنستفيد مرتين الأولى بالعبادة والسمو الروحي، والثانية بالفوائد الصحية والنفسية الكبيرة، والمقصود بحسن الصيام أن ننتقى الطعام البسيط قليل الدهون والسعرات الحرارية، كثير الخضراوات والفاكهة والبقوليات وبدون إسراف.

والصيام من العبادات الموجودة فى كل الأديان وتستهدف وإن اختلفت التفاصيل الارتقاء والسمو والتحكم فى الذات، وبالرغم من أننا لا نرى ضرورة للربط ما بين الاكتشافات العلميه الحديثه والعبادات إلا أننا لا نسيطيع نتجاهل الإعجاز والفائدة الصحية الكبيرة للصيام.

تحسين الذاكرة

وقد أثبتت الأبحاث العلمية الحديثة أن الصيام يحسن الذاكرة والتركيز والحالة المزاجية، وذلك بعد التعودعلى نظام الصيام أى بعد نحو 3 أو 4 أيام من الصيام المنتظم، ولكى يحدث هذا يجب أن يهىء الجسم نفسه للصيام بعمل انقطاع تدريجى للشاى والقهوة والسكريات حتى لا يحدث تغيير مفاجىء يصيب الجسم بالخمول والصداع، والتفسير العلمى لما يحدث للمخ مع الصيام هو أنه يزيد من مادة بروتينية تسمى (BDNF) تحفز نمو الخلايا العصبية وتزيد من بلاستيكية المخ من خلال بناء شبكات ووصلات عصبية جديدة مما ينتج عنه تحسن ملحوظ فى كل وظائف المخ، وهناك أبحاث اجريت على فئران التجارب تشير إلى أن الصيام المنتظم يقلل من احتمالات الإصابة بمرض الزهايمر فى الكبر، وأثبت بحث آخر تحسن تشريحى فى تركيبة المخ فى حيوانات التجارب التى تخضع لنظام الصيام المتقطع.

وفى بحث آخر وجد أن الصيام يساهم فى تحسن نوعية المستعمرات الجرثومية الموجودة بالجهاز الهضمى ويزيد من تنوعها مما يسهم فى تنشيط تجديد خلايا المخ، وتعزيز ميلاد خلايا عصبية جديدة.

والتفسير العلمى لذلك؛ أنه بعد مرور 12 ساعة من الصيام يتحول مصدر الطاقة من سكر الجلوكوز إلى الكيتونات التى تعتبر مصدراً أفضل للطاقة بالنسبة للمخ، وتقوم بتنشيط وتنظيم كثير من وظائفه بصورة أكثر فاعلية من الجلوكوز مما يزيد من قدرة المخ على التعلم على المدى الطويل والقصير، ويحسن الحالة المزاجية ويقلل الشعوربالقلق.

الصيام والرشاقة

ويحسن الصيام أيضاً عملية التمثيل الغذائى مما يقلل من تخزين الدهون وينتج عنه فقدان الوزن الزائد بصورة صحية وسهلة، بشرط عدم الإسراف فى تناول الطعام بعد الإفطار، والالتزام بنظام أكل صحى يضم الخضراوات، والفاكهة، والألياف، والبقوليات، وقليل فى الدهون والسكريات والحلويات.

وتضيف د.يُسر أن كثيراً من الدراسات وجدت أنه خلال فترة الصيام، ونتيجة انخفاض السكر بالدم يقل إفراز الأنسولين مما يتيح فرصة للبنكرياس وللخلايا المنتجة للأنسولين أن ترتاح وتستعيد نشاطها، وكذلك يزيد من حساسية الأنسولين ويرفع من كفاءة المستقبلات الخاصة به، وزياده الحساسية للأنسولين على الخلايا، مما يساهم فى تقليل احتمالات الإصابة بمرض السكر من النوع الثانى، ويعطى فرصة أفضل للتعافى وتقليل جرعات الدواء.

وقد أثبتت دراسة نشرت حديثاً أن صيام 16 ساعة يومياً يساهم فى فقد الدهون المخزنة بالجسم نتيجة زيادة إفراز هرمون النمو الذى يزيد من معدلات بناء العضلات، ويسهم فى حرق الدهون وفقدان الوزن الزائد.

الصيام المتقطع

وتناولت الأبحاث الحديثة أيضاً دورالصيام فى تقليل احتمالات الإصابة بالأورام وذلك من خلال القضاء المبكرعلى أى تحورات غير طبيعية فى الخلايا. فخلال ساعات الصيام يتعرض الجسم لنوع من أنواع التحفيز أو الانتباه بسبب قلة السكر، مما يتيح للجسم القيام بصيانة وإزالة كل الخلايا غير المرغوب فيها، ووضعه على أهبة الاستعداد لمواجهة أى نموات سرطانية فى بدايتها.

كما أن أبحاثاً كثيرة أثبتت أن الصيام يعزز ويساعد على تنوع البكتيريا المفيدة والمستعمرات الجرثومية المفيدة الموجودة بالجهاز الهضمى وخاصة القولون. والتى لها تأثيرات مهمة جداً فى رفع مناعة الجسم وتحسين كل وظائف الجسم، ومنع كثير من الأمراض المزمنة مثل السكر والضغط.

وأشار بحث آخر إلى أن الصيام المتقطع اليومى ينشط جينا معينا فى الخلايا يقوى جدران الجهاز الهضمى مما يحيل دون عبور الملوثات والسموم من داخل الأمعاء إلى مجرى الدم فيتم التخلص منها ومنعها من الوصول إلى خلايا الجسم.

المرحلة الانتقالية

ولكى يحقق الصيام الفوائد المرجوة منه يجب:

تدريب الجسم قبل الصيام على التحول فى نظام ومواعيد وكميات الطعام، لتجنب الإصابة بالصداع والعصبية، والهبوط والكسل بسبب حرمان الجسم فجأة من وقوده الأساسى وهو السكر.

وخلال هذه المرحلة الانتقالية يجب تقليل كمية السكروالشاى والقهوة والسجاير، والامتناع عن تناول وجبة العشاء، للتمهيد للجسم حتى يصل إلى هدفه بدون عناء.

شرب الماء والسوائل فى بداية الأكل لأن المعدة الفارغة تبعث إشارات قوية بالجوع من خلال إفراز هرمون الجرلين، وشرب الماء وأكل السلطة أو تناول الشوربة فى بداية الفطور يملأ المعدة، ويقلل إفراز الجرلين مما يقلل حدة الشعور بالجوع مما يجعلنا أقدر على التوقف عن الأكل فى وقت مناسب وعدم الإسراف.

أيضاً هناك هرمونات تساعد على الإحساس بالشبع وعلى رأسها هرمون الليبتن، ويتم إفرازه وتصنيعه فى الخلايا الدهنية، وعند إنتاجه بكفاءة يقلل من إفراز هرمون الجرلين الذى يتم تصنيعه فى المعدة والذى يجعلنا نشعر بالجوع، والصيام يزيد من حساسية المستقبلات لهرمون اللبتين مما يجهله أكثر تأثيراً وفاعلية على المخ فى الإحساس بالشبع، ففى كثير من مرضى السمنة تكمن مشكلة الإسراف فى تناول الطعام لعدم الإحساس بالشبع فى الوقت المناسب، وذلك بالرغم من إفراز الليبتن (هرمون الشبع) ولكنه لا يقوم بدوره جيداً لقلة الحساسية له، عملية شبيهة بقلة حساسية الأنسولين أو مقاومة الأنسولين التى تسبب مرض السكر والبدانة.

أيضاً فكرة النية الخالصة للصيام هى فى صميم العلم الحديث، فالنية هى التوجه العقلى والفكرى لتحقيق هدف معين له معنى إيجابى للعقل. وأثبتت التجارب أن ما ينشط المخ ويجعله أقدر على الحفاظ على وظائفه هو وجود هدف وإدراك ووعى واضح محدد للهدف يعزز بناء الخلايا العصبية الجديدة، وهو مصدر القوة والقدرة على تحمل الصعوبات والمغريات والمشتتات، والدراسات الحديثة أثبتت أن وجود هدف ومعنى فيما يتم القيام به يحدث تغييرات تشريحية فى المخ تزيد من قدرة وكفاءة وظائف المخ أى أنه ليس وهماً بل حقيقة علمية ثابتة بالتجارب العلمية الحديثة.

وأخيراً تؤكد د.يُسر على أن المفهوم العلمى للصيام وفوائده الصحية يكمن فى التحول اليومى من فترة الامتناع إلى فترة إتاحة الطعام والتى ينتج عنها تنشيط وتعزيز صيانة الخلايا المختلفة، ولكى يتحقق هذا يجب الحفاظ على الطعام الصحى المفيد فقط، وبدون مبالغة فى الكميات لأن الصيام أثناء النهار ثم الإسراف فى تناول الطعام بعد الإفطار لن يحقق أى فائدة صحية.

حموضة المعدة

وتوضح د. فاطمة الزهراء – قسم التغذية- المركز القومى للبحوث، الدراسات التى تشير إلى أن حموضة المعدة تنتظم مع الصوم، نتيجة حدوث تغيرات هرمونية وبيولوجية تؤدى إلى تحسين جدارها المخاطى وتقوية جهازها المناعى والبنائى، وبالتالى تساعدها فى التخلص من الالتهابات والتقرحات المزمنة، وبالطبع، عندما تقل إفرازات المعدة، وتتجدد الخلايا، وتتمكن الغدد المخاطية من استعادة قدرتها على إفرازالمواد المخاطية التى تغلف الغشاء المبطن للقناة الهضمية، كل هذا يوفر فرصة للتخلص من مشاكل ارتجاع المرىء وتقرحاته، بل إن حجم فتق الحجاب الحاجز يمكنه أن يتغير ليكون أصغر، مما يعنى أعراضاً ومشاكل أقل فى المستقبل، وكذلك الصيام لا يستثنى الأمعاء من هذه الراحة الضرورية، حيث تقوم بدورها بعمليات تنظيف وتطهير متواصلة من السموم والنفايات والفضلات، كما يساعد على التقليل من الاضطرابات الهضمية والغازات المتكونة والمحبوسة فى تجويف الأمعاء.

نظام صحى

وتؤكد الدكتورة نهاد حسن عبد المحسن أستاذ التغذية التطبيقية بالمركزالقومى للبحوث، على أن رمضان فرصة ثمينة للصائم لبدء نظام حياة صحى، حيث إنه يساهم فى تقليل الوزن وضبط مستوى السكر فى الدم من خلال اتباع نظام غذائى متوازن وصحى، وشرب كميات كافية من الماء بين وجبتى الإفطار والسحور؛ لإمداد الجسم بالسوائل أثناء النهار، وتناول الأطعمة الغنية بالمياه، مثل الخيار والشوربة والسلطة الخضراء، وتجنب المشروبات التى تحتوى على الكافيين مثل القهوة والشاى والكولا، لأن الكافيين قد يسبب كثرة التبول، مما قد يؤدى إلى الإصابة بالجفاف، وتجنب تناول المشروبات الغازية عند الإفطار والسحور؛ لأنها تعوق عملية الهضم.

وتنصح بتجنب تناول كميات كبيرة من الحلويات عقب وجبة الإفطار، واستبدالها بالفاكهة المثلجة مثل: البطيخ، الشمام، الخوخ، التفاح، المشمش والفراولة ،كما تنصح بتجنب الأطعمة المقلية أو المُصنعة التى تحتوى على نسبة عالية من الدهون، واستعمال منتجات الألبان قليلة الدسم فى تحضير الوجبات والحلويات، واستعمال بدائل الملح كالتوابل بأنواعها المختلفة (بهارات، وكمون، وقرفة، وحبهان …) وكذلك الأعشاب المختلفة، مثل: النعناع، والبقدونس، والزعتر، والثوم، والبصل.

وتؤكد على ضرورة أداء الرياضة مساء (من 20 إلى 30 ق) بعد الإفطارلتساعد على الهضم والحد من تراكم الدهون فى الجسم.

اترك تعليقاً