نشرت الإعلامية ياسمين الخطيب، قصتها مع الفئران عبر حسابها الشخصى على موقع التواصل الاجتماعى “فيسبوك” موضحة أنها عاشت معهم لفترة طويلة وتآلفت معهم.
كتبت ياسمين الخطيب: “على ذكر الفئران والزواحف.. من حوالي 5 أعوام، سكنت بيتًا مسكونًا بالفعل بقبيلة من الفئران.. كانت علاقتنا في البدايات مقتضبة وقائمة على الاحترام المتبادل، ثم تحوّلت بطول العشرة إلى تفاهم وود عميق.
وأضافت: “بعد تعريفهم بنفسي أطلقت عليهم أسماء مشتق معظمها من أضداد كلمة (فأر = فقر)، مدفوعة بعلة التشاؤم التي لم أبرأ منها إلى الآن. سميت كبيرهم “مرزوق” وزوجته التي لا أفرقها عنه “مرزوقة”، أما الجيل الأصغر فحمل أسماء : رزق.. فرج.. يسرا.. هناء.. بخيت.. كرم.. بينما بقي الجيل الثالث بغير أسماء”.
وتابعت “توطدت علاقتي بالأسرة الرمادية بفعل الزمن وحظر التجوال، الذي فرض علينا في أعقاب ثورة 30 يونيو إقامة جبرية معًا في ذلك البيت الصغير، الواقع على أطراف القاهرة الجديدة.. وقد أسهم انعدام شبكة المحمول فيه في مضاعفة عُزلتنا، حتى تلاشت تمامًا رهبتهم الأولى مني، وألِف كل منا الآخر”.
وأكملت “كنت أجهز في الصباح سندوتش الجبن الرومي الذي نُحبه، وأضع نصيبهم إلى جانب الثلاجة، التي اتخذوا منها ساتر لجحرهم، فيخرج أحدهم لإستلام الإفطار مطمئنًا. وفي الليل، أتابع وحدي أمام التلفاز أحدث أخبار أهل رابعة وتصريحات عدلي منصور واعتصامات ومظاهرات هنا وهناك، فتمر مرزوقة وزوجها للإطلاع.. أظن أنهما كانا يفضلان برنامج الست لميس الحديدي”.
واستطردت “شهور مضت ونحن نعيش معًا في سلام لا يشوب صفاؤه كدر، حتى أقدم فأر أرعن متهور من جيل الشباب على عض إصبعي أثناء نومي.. فاشتعل فتيل الحرب..اكتفيت من المناورة الأولى بأسر أحد الصغار في (المصيدة)، وتركه لساعات يستغيث بلا غوث، ليعتبر كل آل مرزوق، لكنه استطاع لصغر حجمه أن يفلت من بين القضبان الحديدية بحركة مُدهشة، فجن جنوني..
وأكملت “هُيئ لي لحظتها أني سمعت صرخات انتصارهم، بعد ما أحرزوا هدف الفوز في الدقيقة 90! تخيلت أنهم استقبلوا الناجي بالرايات الملونة والشماريخ، بعدها جهزت مرزوقة وليمة عشاء تليق بالانتصار، يحتل مائدتها طبق من السمبوسة المحشوة بالجبن الرومي، الذي أمددتهم أنا به في الأيام الخوالي! بينما جلس مرزوق بالقرب من مدخل الجحر للمراقبة مع مجموعة من البراعم، ولم يتوقف أجرب المجاري عن التدخين والألش الرخيص على هزيمتي طوال الليل، حتى أنني لم أتمكن من النوم بسبب ضحكاتهم وسعاله..
وتابعت “بعد أيام، لاحظت مرور “مرزوقة” أمامي عمدًا، جهارًا نهارًا وبغير تقية، كأنما تود أن تقول لي: “ولا بيهمنا”.. لم أستجب لاستفزازها، فأنا على وشك حسم المهزلة.. جهزت بهدوء فخ (اللازقة) المستوردة، وجلست أدخن سيجارتي وأنا موقنة بالانتصار، في الفجر صحوت على صرخات استغاثة.. كان الأسير هذه المرة من الرعيل الأول.. مرزوق.. ربما مرزوقة.. لا أعلم، فأنا لم أميزهما أبدًا إلا من خلال سياق الأحداث.. عندما وصلت كانت قطعة الكرتون التي تحمل الجسد المُحتضر محاطة بمجموعة من الأحبة، انصرفوا فزعين لحضوري.. هاتفت أحد الأصدقاء لنجدتي، وجلست على الأرض أمام المُصاب أبكي.. ليه خلتني اعمل كده يا مرزوق.. ده احنا كنا صحاب وبينا عشرة على الحلوة والمرة.. ليه؟!، وضعه الصديق في كيس بلاستيكي، بعدما استحلفته بكل عزيز عليه أن يقتله سريعًا ليُنهي عذابه”…
ووصفت شعورها فى ذلك الوقت قائلة “أدركت يومها أن هذه الرحمة التي يسمونها، أورثها لي أبي، فقد أقام ذات يوم مجزرة للنمل الذي غزى أحواض الزهور الأثيرة إلى قلبه، بعدها حكى لي بعينين مغرورقتين بالدمع، أنه ترفع عن قتل نملتين شاهدهما بعد المجزرة، إذ هُيئ له أنهما ينتحبان على ما حل بمملكتهما وأحبتهما.. رحلت عن هذا البيت بعد الحادثة بأسابيع قليلة، مُودِّعة أرملة مرزوق وعائلتها المكلومة، وطمست الأيام معظم ذكرياتي به.. لم تكن ذكريات سعيدة على أي حال، كانت معيشته ضنكا، لكني لم أنس أبدًا رفقاء الضنك.. آل مرزوق.. أظن أن فعال الساكن الجديد دفعتهم للترحم كثيرًا على زمني.. زمن العزلة وليالي الحظر وقلاع الأمل والجبن الرومي”.