الخبر نيوز | شبكة إخبارية مستقلة

كواليس واقعة الابتزاز الإلكتروني لضحية مُقابل عدم التشهير بسمعتها من خلال صور ومحادثات بالقاهرة

ريفو القرص الأبيض الشهير ذات الغلاف الأخضر المميز، لم يكن مجرد عقارًا لتسكين الصداع ونزلات البرد، لكنه كان أسلوب حياة لكل من عاصر بوعي مرحلة التسعينيات من القرن المنصرم، ويتذكر العبارة الشهيرة خد بالباقي ريفو، ليختفي العقار من الأسواق، وتعود أصداؤه مجددًا في مسلسل يحمل اسمه ريفو كعقار جديد، لكن للمرض النفسي.

مسكن ريفو
يعيدنا مسلسل “ريفو” لنوستالجيا حقبة التسعينيات، والتي لم تأخذ حقها تمامًا في أعمالنا الدرامية إلا في تلك المرحلة المرتبطة بتصاعد التيارات الإرهابية فقط، أو التركيز على إدمان الشباب للمواد المخدرة، فقد تجاهلت الدراما بشقيها “سينما وتليفزيون” توجهات الشباب وطموحاتها في هذه الفترة وأبرز ما كان يجذب انتباهها بخلاف تقاليعها والموضة المسيطرة عليها.

يعود بنا “ريفو” إلى وهج المرحلة التسعينية بتفاصيل شديدة الدقة على مستوى رسم الشخصيات ليس فقط في مظهرها الشكلي الخارجي، ولكن في عمقها الذي تتكشف خيوط تفاصيله تباعًا عبر الحلقات، فالبند المكون من خمسة أفراد “أمير عيد – شادي، تامر هشام – ماجد، مينا النجار – نعمان، صدقي فخر – مروان أو سليمان كما لقبوه، وأخيرًا حسن أبو الرووس – أباظة” لكل منهم رسم خاص لمسار حياته ظهر كبداية استهلالية للجزء الأول الذي بدأ عرضه مؤخرًا على منصة “Watch It”، لكن المؤكد أنهم جميعًا كانوا يعيشون وحدة داخلية ووجدوا ضالتهم معًا.

هنا يعيدنا “ريفو” لأمرين، الأول يتعلق بفكرة تأسيس الفرق الغنائية وتفككها برغم ما كانت تحققه من نجاح، وهو أمر غلب على جميعها خلال فترتي الثمانينيات والتسعينيات والتي انتهى مصيرها بالاندثار، أما الآخر فيتعلق بفكرة التحاور بين الشباب والعائلة، وكيف بدأ التفكك في علاقتنا الأسرية التي باتت شبه منعدمة الآن، فقد كان العقد التسعيني نقطة التحول في مسارات الشباب والتمرد على أفكار العائلة وكسر الثوابت.

لذلك فإن “ريفو” في تلك المرحلة بالنسبة لذلك البند الغنائي ليس مجرد مسكّن استغلوا شهرته، لكن هو مسكّن لهم في رحلة البحث عن النفس التي اكتشف فيها كل الآخر، والتي عرف فيها عن ذاته ما لم يكن يعرفه عنها من قبل، وهذا من جانب، ويبقى الجانب الآخر أن مسلسل “ريفو” هو مسكّن لنا أيضًا في تلك الفترة التي تخلو فيها السينما من وجود أفلام تستقبل جمهورها في الموسم الصيفي، وتخلو فيها القنوات الفضائية من عرض أية مسلسلات جديدة، هذا بخلاف كونه مسلسلًا يتناسب مع فصل الصيف وأجوائه المبهجة.

العلاج بالفن

نسمع كثيرًا عن تلك المستشفيات الكبرى في الخارج التي تستخدم الموسيقى لعلاج مرضاها، ولكن هناك أشخاصًا تبدأ أو تستعيد مسار حياتها بالفن، وهذا ما غلب على جميع شخصيات العمل بداية من مؤسسها أمير عيد “شادي” الذي بدى عليه حزنه وكآباته الداخلية ولم يجد سوى المزيكة نقطة مضيئة لحياته، أيضًا صدقي فخر “مروان كاسمه الحقيقي وسليمان كاسم منحه له مؤسس الفرقة” ذلك الشاب الذي كان يعيش داخل قوقعة أبيه، لكنه وجد في الفريق ضالته في البحث عن ذاته واكتشاف ما لم يعرفه عن نفسه.

لذلك فإن “ريفو” هنا بمثابة معالج نفسي، وهذا يظهر بشكل مستتر ضمن فكرة العمل، فالأصل في الحكاية أنه عمل يتناول قصة صعود إحدى الفرق الغنائية الشهيرة في تلك الحقبة لكن الحقيقة أنه يناقش المرض النفسي بشكل غير مباشر ويبدو ذلك في وجود “المصحة” التي تديرها النجمة سلوى محمد علي “الدكتورة ليلى” شقيقة “مروان” والتي يتواجد بها بعد أربع محاولات انتحار.

تقابل لأزمة أجيال “لن أعيش في جلباب أبي”
يمتلئ مسلسل “ريفو” بالعديد من الخطوط الدرامية المميزة التي كتبها ووظفها السيناريست محمد ناير، لكن هناك خطًا مهمًا يصب أيضًا في أزمة المرض النفسي صاغها بشكل شديد الألق يتمثل في خط البداية والنهاية الذي تعامل به مع أحداث العمل.

المقصود في ذلك الخط شخصية صدقي فخر “مروان” الذي بدأ به الحلقة الأولى، ذلك الشاب الخجول الذي يسير “داخل حذائه” على الحد الأقرب للوصف الذي يشير لقيام والده بالتحكم فيه والإطاحة بملامح شخصيته، وعندما وجد ضالته في فريق “ريفو” الذي وجد فيه دورًا وأهمية لحياته كعازف “كيبورد” ترك عزلته ورأى الحياة بمنظور آخر، لكنه كره تلك الحياة بعد ضياع حلمه “ريفو” لذلك أقدم على الانتحار أكثر من مرة.

أما ركين سعد “المخرجة مريم” ابنة النجم محسن محي الدين “حسن” الذي تولى إدارة أعمال الفرقة ويكتشف أنه أب غير رسمي لمؤسس “ريفو” أمير عيد “شادي”، والذي تنطلق من خلاله الأحداث بعد وفاته؛ حيث يكتشف كتابته لفيلم يحمل اسم البند، فهي أيضًا تعاني مرضًا نفسيًا وهو ما أغلقت به الأحداث حيث تكتشف أنها تعيش في فلك والدها أيضًا لكن بحبها الشديد له وعدم تصديقها برحيله، وتحميلها ذاتها أكثر من طاقتها بفعلها أي شيء من أجل خروج هذا المشروع للنور.

هنا تأتيها الصدمة وتتساءل هل تفعل ذلك من أجل حب لوالدها أم لكونها مؤمنة بفكرة الفيلم وتحب صناعة هذا العمل لأجل ذاتها بالأساس.

وبين “مروان” الذي يكبر “مريم” بعقدين من الزمن على الأقل وبين الأخيرة، رابط مشترك كلاهما تمرد فيه على “جلباب أبيه” لكن المؤكد أن الاثنين وجدا ضالتهما في “ريفو” فمروان عاد للحياة بعد ظهور “مريم” التي باتت تذهب إليه في المصحة لتجمع معلومات عن الفريق لاستكمال فيلم والدها، ليبدأ هو مرحلة جديدة يقرر فيها أن الحياة لم تنته بموت فريق “ريفو” وأن بداخله جزءًا ما زال يريد الحياة.

أما “مريم” ففي رحلة بحثها عن “ريفو” تكتشف مرضها النفسي بتعلقها الشديد بالأب الذي ظلت ترتدي ملابسه بعد رحيله إلى أن بدأت جلسات علاجها النفسي وبدأت تصديق رحيله لتنطلق في نقطة جديدة من حياتها.

“شادي” و”أباظة”

لا يوجد رسم مميز ودقيق أكثر من شخصيتي أمير عيد “شادي” مؤسس ومطرب “ريفو” وحسن أبو الرووس لاعب الجيتار “أباظة”، فرغم التركيبة المميزة لكل شخصيات العمل التي تجعلها عالقة بالأذهان لكن تبقى شخصيتي “شادي” و”باظو” كما يلقبوه شديدة الالتحام والتوحد الحقيقي بين الواقع وخيال المؤلف.

أمير عيد يشبه “شادي” كثيرًا على أرض الواقع، فمؤسس فريق “كايروكي” برغم عواصف الهجوم والتعثرات التي واجههته في بداية تأسيس فريقه لكنه أصر على مواصلة الرحلة حتى صار “كايروكي” واحدًا من أهم الفرق الغنائية في الألفية الجديدة إن لم يكن رقم “١” لدى الشباب، وهذا سببه محاولاته الدائمة هو وفريقه بتقديم كلمات وموسيقى مختلفة جاذبة للجمهور، وهو ما ينطبق على شخصية “شادي” بـ “ريفو” الذي كان يبحث عن ما هو أبعد من فكرة كونهم فريق غنائي.

اختيار المخرج يحيى إسماعيل ل أمير عيد أيضًا كان مميزًا، فالأخير يتعامل مع “شادي” بشخصيته الطبيعية وليس بكونه ممثلًا مما جعل هناك تصديقًا أكبر، هذا بخلاف تسريحة شعره التي تتشابه مع ملك “الروك آند رول” الشهير إلفيس بريسلي أما ملابسه السوداء فبخلاف أنها فكرة موضة التسعينيات “الجاكت الجلد الأسود” لكنها انعكاس داخلي لشخصيته وما بها من قتامة؛ بل إن لديه ثقة كبيرة بذاته، وتمردًا وإستقلالية بخلاف جديته التي تجعله لا يفكر في أي شيء سوى فرقته الغنائية وتطويرها.

أما حسن أبو الرووس “باظو” فهو الشخص الذي دخل البند من أجل مكسب مالي أكبر لكنه اكتشف حبه وغرامه وعشقه للموسيقى، فهو يتقارب أيضًا مع تلك الشخصية “الهيبر” التي تتشابه منه في الواقع، بتفاصيل ملابسه المثيرة للانتباه وطريقة حديثه، لكن الأهم هنا أن هذا العمل يكتب ميلادًا جديدًا لشخصيتين الأولى تتعلق بالفنان ذاته والنقلة التي تحدث في شخصيته من شخص مولع بالعشق بالعزف على الجيتار وهذا من جانب، بما يشهده من تحول في طريقة الأداء والسكون الذي يسيطر عليه بعد ابتعاده عن مجال الفن وإطلاقه لحيته وتدينه.

ومن جانب آخر، تميز السيناريست محمد ناير فيه، حيث تقديم شخصية “المتدين المتحول” فأغلب الأعمال إن لم تكن أشملها تظهر هذا التحول في نموذج الإرهابي الذي يمسك ببندقيته مصوبًا رصاصه تجاه جمهوره الذي كان سببًا في شهرته، وذلك رغم اعتزال كثير من الفنانين الذين تدينوا وابتعدوا عن المجال لم يقوموا بمثل هذه الأمور.

هنا يظهر حسن أبو الرووس في ثوب الشخص الذي يريد الحفاظ على تدينه لكن بداخله يعيش الفن الذي يتوحد معه، ويظهر هذا في مشهدين أحدهما بعد رغبة والده المصاب بالسرطان في سماع عزفه على العود، ورغم تحفظ الابن في البداية، لكنه يندمج ويعزف، ومشهد آخر يبحث فيه صديقه وزميله بالفرقة تامر هشام “ماجد” عن عقدهم القديم مع مدير أعمالهم داخل غرفته فيكتشف أن أصابعه مدون علامتها على آلة الجيتار الذي يضعه أسفل سريره في إشارة إلى أنه لم يستطع إبعاده عن روحه أكثر من هذه المسافة سواء بتكسيره أو وضعه في مكان غير ظاهر.

مسلسل “ريفو” تجربة درامية ممتعة على جميع تفاصيلها بداية من الكتابة المميزة لـ محمد ناير وتقديمه كثيرًا من الخطوط الدرامية المتشابكة بشكل بسيط وجاذب مرورًا بموسيقى ساري هاني المميزة التي تمزج بين نوستالجيا الماضي بوهجه وألم الحاضر بفقدان ما نحبه.

كل هذا بإدارة مخرج واعي يحيى إسماعيل الذي قدم عملًا لا يحمل تكاليف ضخمة أو إبهارًا في التكنولوجيا، لكنه جذاب في تفاصيله وأداء أبطاله بما جعل المشاهد يتفاعل وينجذب مع العمل من مختلف الفئات العمرية.

اترك تعليقاً