الخبر نيوز | شبكة إخبارية مستقلة

ماكرون.. حاول تسلق سلم زعامة أوروبا.. فاهتز عرشه في الإليزيه

بوصوله لحكم فرنسا في مايو 2017، توقع الفرنسيون أن يحدث الرئيس الشاب إيمانويل ماكرون تحولا جذريا في البلاد من خلال برنامجه الذي بدا مختلفا وتصريحاته الجريئة.

لكن يبدو أن وزير الاقتصاد السابق كان بمثابة صخرة تحطمت عليها أحلام الفرنسيين، وكان 2018 عاما مصيريا بالنسبة لماكرون شهد تراجعا حادا في شعبيته وتغييرات في سياساته المعلنة، أما السترات الصفراء فكانت القشة التي قسمت ظهر ماكرون وأجبرته على دفع سياساته البيئية وتوجهاته حيال أوروبا.

انشغل الإعلام الفرنسي في الأشهر الأولى من ولاية ماكرون بالحديث عن تصريحات الرئيس الشاب وزواجه بمعلمته بريجيت التي تكبره بـ24 عاما، وانتصاره على اليمينية مارين لوبان، كما أن كتابه “الثورة” الصادر في 2016 كان من بين أفضل الكتب مبيعًا في فرنسا واكتسب الرئيس شعبية مسبقة حين كان وزيرا للاقتصاد في عهد الرئيس فرانسوا هولاند، قبل أن يعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية وتأسيس حزب “إلى الأمام”.

بدأ ماكرون عامه الرئاسي الأول بنشاط ملحوظ حاملا على عاتقه العديد من القضايا كان أولها إحياء اتفاقية باريس للمناخ والحفاظ على وحدة الاتحاد الأوروبي من التهديدات الخارجية المختلفة من الصين وروسيا لا سيما الولايات المتحدة، خاصة في ظل وجود رئيس مثل دونالد ترامب لا يمكن توقع قراراته، كما أن توجهاته الخارجية كان لها صدى واسعا خاصة بعد العملية العسكرية في سوريا. وأشارت تقارير إعلامية إلى أن فوز فرنسا بكأس العالم كان الحدث الوحيد الذي شعر فيه الفرنسيون بالرضا خلال 2018.

ومن خلال تصريحاته وجولاته الخارجية في الأشهر الأولى من ولايته، بدا الرئيس الشاب وأنه يحلم بزعامة أوروبا، خاصة في ظل تراجع نفوذ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وكان أول لقاء بينهما في مارس 2018 أسفر عن خطط مشتركة في معظم الملفات ذات الاهتمام المشترك وأخذ يدعو من بعدها “لوحدة الاتحاد الأوروبي” وتعزيز نفوذه في مواجهة الدول الأخرى، بل دعا أيضا لإنشاء جيش أوروبي موحد، وفي أبريل تعززت صداقة ماكرون وترامب حين التقى الزعيمان في المكتب البيضاوي وبدا اللقاء جيدا من خلال الإشادات، قبل أن يغضب الرئيس الأمريكي من صديقه بسبب تغريدة عن إنشاء الجيش الأوروبي الموحد.

في نوفمبر، حاول ماكرون أيضا الظهور في صورة القائد متوسطا زعماء العالم في الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى، والتقى وقتها بترامب وبوتين وغيرهم من المدعوين، وحرص أيضا على التمسك بتوجهاته حول قضايا المناخ والبيئة واستخدام الطاقة النظيفة، إلا أن الشهر نفسه كان “أسود” على الرئيس صاحب الـ41 عاما، إذ شهد مولد احتجاجا حركة “السترات الصفراء” وكان المطلب الأساسي هو إلغاء ضريبة كانت مقررة على الوقود، ولاقت الدعوة التي انطلقت من “فيس بوك” قبولا لدى الفرنسيين، إذ تظاهر في التعبئة الأولى أكثر من 300 ألف شخص، لكن الاحتجاجات شهدت أعمال عنف واشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين ليتولد من بعدها حراك شعبي حقيقي ضد الرئيس ماكرون، ووصلت المطالبات إلى حد استقالته، مما اضطره لتقديم التنازلات وإعادة تقييم حساباته.

ماكرون الذي كان وزيرا للاقتصاد في حكومة الرئيس فرانسوا هولاند في الفنرة بين 2014 و2016، اعترف بعد الأسبوع الثاني من الاحتجاجات بوجود مطالب شعبية مشروعة فعليا وأنه استمع للأصوات المتضررة من رفع أسعار الوقود وارتفاع أسعار المعيشة، لكنه حرص على تسليط الضوء على العنف الذى شهدته الاحتجاجات وإدانة مرتكبي أعمال الشغب واصفا إياهم بـ”الفوضويين”، حيث بلغت الخسائر في إيرادات المراكز التجارية بسبب احتجاجات حركة “السترات الصفراء” وأعمال العنف والتخريب المرافقة لها في يومي 17 و24 نوفمبر على التوالي نسبتي 35 و18%.

وفي العاشر من ديسمبر بعد تراجع حاد في شعبيته وشعوره بحجم الغضب الشعبي، اضطر الرئيس الفرنسي لتقديم تنازلات في محاولة لاسترضاء المعارضين، معلنا فرض حالة طوارئ اقتصادية واجتماعية في البلاد، اتخذ ماكرون بموجب هذا الإعلان مجموعة من القرارات الاقتصادية، حيث أعلن رفع الحد الأدنى لأجور العمال بقيمة 100 يورو في 2019، مطالبا المؤسسات بدفع العلاوة السنوية أيضًا دون أن تخضع لأي اقتطاع أو ضريبة.

وأكد الرئيس الفرنسي أن الشركات التي تستطيع دفع مكافأة نهاية العام سيقومون بذلك، كما أعلن الرئيس الفرنسي أن العمل الإضافي سيكون بدون ضرائب ابتداء من 2019، وقال ماكرون إنه سيتم إلغاء ضريبة “المساهمة الاجتماعية” على من يقل راتبهم عن 2000 يورو، معلنا اتخاذ تدابير عاجلة لمساعدتهم.

وأظهرت نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه معهد “أودوكسا” تراجع شعبية ماكرون إلى أدنى مستوياتها منذ وصوله للحكم بنسبة 27%، ويبين الاستطلاع أنه بعد شهر من أزمة السترات الصفراء تصاعدت الآراء السلبية تجاه سياسات ماكرون، ووصف 74% من المشاركين بالاستطلاع ماكرون بـ”رئيس الأغنياء”، كما تراجعت شعبية رئيس الحكومة إدوارد فيليب، وذلك رغم التنازلات التي أعلن عنها.

وشهدت إدارة ماكرون أيضا أزمات طاحنة لكنه استطاع التغلب عليها إلى حد ما، فكانت قضية مساعده أليكساندر بينالا الذي اعتدى على المتظاهرين في يوم عيد العمال أولى التحديات أمام الرئيس، إلا أن الإليزيه تبرأ منه وطرده، رغم ظهوره الدائم بجانب ماكرون، بعدها استقال عدد من المسئولين من الحكومة، كان أبرزهم وزير البيئة نيكولاس هولو ووزير الداخلية جيرارد كولومب التي فجرت استقالته أزمة في الإدارة الفرنسية.

يتوجه ماكرون بعد انتهاء إجازته بخطاب إلى الشعب الفرنسي يوم الاثنين، من المقرر أن يتحدث خلاله عما أنجزه خلال 2018 وخططه للعام الجديد، إذ يتعين على الرئيس الكشف عن الإصلاحات والإجراءات الجديدة في ظل موجة حادة من الغضب الشعبي وارتفاع سقف مطالب المعارضة، ويقول محللون إن العام المقبل سيكون الأصعب في ظل تصاعد مطالب بحل البرلمان وإجراء استفتاء على رحيل الرئيس.

اترك تعليقاً