نشر موقع “فورين أفيرز” مقالة للباحث دانيال بنجامين، الباحث في مركز التفاهم الدولي بكلية دارموث عن مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
وفي المقال، الذي وكان بعنوان “ليس بلد أبيه”. قال الباحث إنه ومنذ مقتل خاشقجي تم الاهتمام بقضيته، وبشكل واسع، وبطريقة لا يحظى بها سوى المسؤولين الحكوميين الكبار.
ويقول إن العمل يقترب من النهاية للبحث عن ورقة التين وتبرئة المجرم من الجريمة. ويبدو أن السعودية قد تحصل على قصتها بشأن ما حدث أثناء التحقيق الذي خرج عن الخط، ولكن لا علاقة له بولي العهد السعودي محمد بن سلمان. أما الرئيس دونالد ترامب، فقد حصل على المبرر الذي يجعله يواصل بيع السلاح للسعودية، ويحافظ على علاقته مع السعوديين. وربما حصلت تركيا على حزمة من المساعدات المالية لاقتصادها المريض مقابل عدم الكشف عن دليل الجريمة التي حدثت في اسطنبول.
ويعلق الكاتب بالقول إنه مهما كان صوت السعودية المتظاهر بالبراءة، فإن الأعمى فقط هو من سيصدق أن ولي العهد لم يأمر بالعملية التي كلفت خاشقجي حياته. ويضيف أن عملية الترحيل القسري الفاشلة -لو كان الأمر كذلك- تبرر الغضب الأخلاقي، وتدعو وبطريقة عاجلة وماسة إلى إعادة النظر في العلاقات الأمريكية- السعودية. فولي العهد البالغ من العمر 33 عاما، والذي صور على أنه طموح ومصلح، حوّل طريقة الحكم في الداخل والخارج من سياسة حذرة إلى سياسة متهورة تتناقض مع السياسة الأمريكية. وتحدث الكاتب عن النقلة التي قامت بها السعودية والعائلة المالكة من المواقف المتعقلة إلى الوضع الحالي، ففي ظل الملك عبدالله، سلف الملك الحالي لم يكن متخيلا دخول القوات السعودية في نزاعات مسلحة. وكانت ذروة التدخل منذ عام 1990 هي إرسال السعودية ألف جندي إلى البحرين كجزء من قوات درع الجزيرة لقمع الانتفاضة هناك في عام 2011. فالمملكة لديها شهية لعقد صفقات أسلحة بالمليارات، لكن ليس لديها جيش قوي.
والسر هو أن السعودية كانت بحاجة للجيش كي تمنع انقلابات. ولكن الحسابات هذه تغيرت عام 2015، فقد تورط الجيش السعودي في اليمن ضد المتمردين الحوثيين. وبالنسبة لمن عملوا مع السعودية في قضايا الأمن سابقا، كانت رسالتهم: ليست هذه هي سعودية أبيك. وأكثر من هذا هو اختفاء رجل كان يعد العماد المهم في التعاون الأمني الأمريكي- السعودي، وهو وزير الداخلية السابق الأمير محمد بن نايف. وكان يعدّ صديق واشنطن المفضل في المملكة، خاصة أنه أشرف على استراتيجية مكافحة الإرهاب. وفي ظل محمد بن نايف أصبح التعاون الأمني مهما جدا بطريقة تفوقت على العلاقات الثنائية المتعلقة بالحفاظ على أسعار النفط. وفي أكثر من مرة ساهم العمل الذي قام به ابن نايف في إنقاذ حياة الأمريكيين. وعينه الملك سلمان نائبا لولي العهد ثم وليا للعهد، لكنه أزاحه عام 2017 لصالح ابنه.
وبحسب تقارير فإن محمد بن نايف يعيش تحت الإقامة الجبرية، وتم عزل عدد من مساعديه. وعندما يتم السؤال عنه يتحدث عنه المسؤولون الأمريكيون بنوع من القتامة ويندبون الوقت الذي أصبح فيه مجرد ذكر اسمه مشكلة خاصة في ظل العلاقة القريبة بين صهر الرئيس ومستشاره جارد كوشنر وبين محمد بن سلمان. فهو غير مرتاح في بيته بالطريقة ذاتها التي انتهت فيها العلاقات الودية مع الجيران. فالخلافات بين عائلة آل ثاني والسعوديين تعود إلى عقود، وعادة ما تم التغلب على الخلافات، وأحيانا بدعم أمريكي للحفاظ على نوع من الوحدة داخل دول مجلس التعاون الخليجي.
وفي أيار/ مايو، قامت الحكومة السعودية بفرض حصار على قطر بدعم من الإمارات والبحرين ومصر. وحاولت الرياض دفع الدوحة إلى حافة الانهيار، وبدت وكأنها تدعم بديلا عن العائلة الحاكمة في قطر. ويقول الكاتب إن السعودية وحلفاءها أعلنوا عن قائمة من المطالب التي لا يمكن أن تقبل بها دولة ذات سيادة، مثل إغلاق قناة الجزيرة، ووقف عمليات بناء القاعدة العسكرية التركية، وتخفيض العلاقات مع إيران. ولم يتوقع ابن سلمان ومستشاروه رفض قطر للمطالب، ولم يكن لدى الرياض خطة بديلة. وهو يحيلنا إلى قضية خاشقجي، فما حدث له هو شكل من أشكال التصرفات السعودية ولعقود.
فالعملية التي حدثت “خطأ” في القنصلية في اسطنبول لا يمكن لأي دولة التفكير بها. فالمملكة لديها تاريخ في التعذيب، وهو السبب الذي منع الولايات المتحدة حتى اليوم من عقد اتفاقية ترحيل مطلوبين. وقبل خاشقجي لم يكن أحد يتخيل قيام السعودية بعمليات اغتيال وترحيل قسري. وربما ناقش البعض أن التهور يعبر عن زيادة مشاكل المملكة التي تحاول تنويع الاقتصاد والإصلاح، وفي الوقت نفسه عكس صورة حازمة لها على المستوى الدولي. لكن الأدلة لا تعكس هذا الحزم كما ظهر في احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري والأزمة مع قطر التي عبرت عن غفلة وطموح مفرط.
ويرى الكاتب أن ثمن محاباة محمد بن سلمان يتزايد على الولايات المتحدة، فحصار قطر يهدد ما تبقى من مجلس التعاون الخليجي الذي دعمته الولايات المتحدة كحاجز استقرار في المنطقة. وتحتفظ واشنطن بقاعدة جوية في قطر، وهي في بلد معزول عن جيرانه. ويشتكي القادة العسكريون من عدم إمكانية التخطيط طويل الأمد.
وأدى التشتت في المنطقة لعرقلة جهود الولايات المتحدة لبناء جبهة موحدة ضد إيران. وحتى لو اتخذت الولايات المتحدة موقفا عدوانيا من الجمهورية الإسلامية، إلا أن المشاجرات بين الحلفاء لا تدعم أهدافها في المنطقة. وحتى الحرب في اليمن، التي لا يعرف عنها الناس، وتعرف بالحرب التي لا نعرف عنها شيئا. ولاحظ المراقبون أن قضية خاشقجي عبأت الرأي العام بطريقة لم يهتم بها بالحرب الجارية في هذا البلد البعيد، والذي قتل فيه أكثر من 10.000 مدني.
وأظهر دونالد ترامب قلة اهتمام بالحروب الإنسانية الخارجية، ولكن حصول كارثة إنسانية على هذا المستوى يجعلنا لا نصدق أن أمريكا لا تفعل شيئا.
وتهدد الحرب في اليمن بمفاقمة الخطر الإرهابي، كما فعلت النزاعات الأخرى في المنطقة، فالجهاديون ينتعشون في مناطق النزاع، حيث يوسعون مدى التجنيد، ويحصلون بسهولة على السلاح. ومن هنا فالسماح باستمرار الحرب يعطي القاعدة وتنظيم الدولة الفرصة لإعادة بناء نفسيهما.
وينتهي الباحث إلى القول إن المسؤولين السعوديين غالبا مع تذمروا من تردد السعوديين في اتخاذ مواقف، إلا أن التحول إلى الطرف المتطرف خطير أيضا. فسجل محمد بن سلمان في الحكم يثير الكآبة، وكل الحديث عن الإصلاح لم ينتج شيئا. وأصبح السؤال: ماذا نعمل لكي نضبط ولي العهد الجامح؟ وانتشرت شائعات قبل مقتل خاشقجي بأن الملك سلمان يفكر بوضح كوابح أمام ولي عهده. وسواء فعل أم لا؛ فعلى الولايات المتحدة أن تبعد نفسها نوعا ما عن الأمير العنيد، والحد من تزويده بالسلاح؛ لأن مساعدته لا تساعد أمريكا.