أكد وزير الشئون الدينية التونسى، أحمد عظوم، أن علاقة تونس بالأزهر متجذرة فى عمق التاريخ، وأعرب عن أمله أن تكون تلك العلاقة نموذجا لتبادل الخبرات والزيارات ومشاركة فى الندوات والتظاهرات المقامة من الجانبين.
وقال الوزير – في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط بتونس – “نحن منفتحون على كل المقترحات لتبادل الخبرات التي لا تشمل فقط وزارة الشئون الدينية بل مختلف المؤسسات الدينية في تونس مثل جامعة الزيتونة وديوان الإفتاء ومركز الدراسات الإسلامية بالقيروان”.
وأضاف: “أوليست القاهرة ابنة القيروان يختطها بأمر من المعز لدين الله الفاطمي قائده جوهر الصقلي، لا أدل على ذلك أن أحد شيوخ الأزهر لاحقا لم يكن إلا التونسي محمد الخضر حسين يقع اختياره يوم 16 سبتمبر 1952”.
وأكد ضرورة العمل على مزيد من تطوير الخطاب الدينى الحالي لمواجهة التطرف ليكون قريبا من الشباب، واعتماد طرق جديدة في التبليغ تتجاوز الأطر التقليدية ومنها الجامع (الخطب الجمعية والدروس) إلى أساليب جديدة منها وسائل التواصل الاجتماعي واللقاء المباشر مع الجمهور المستهدف في الفضاءات التي يمكن أن يتواجد فيها ومنها المدارس والمعاهد ودور الشباب والمقاهي.
وأعرب الوزير التونسي عن اعتقاده أن الحوار وتبسيط المصطلحات الدينية واعتماد التفسير الصحيح لآيات القرآن الحكيم هي أهم ما يجب أن تعتمد عليه لمواجهة الفكر المتطرف، ذلك أن متبنيي هذا الفكر يعتمدون على الاستدلال ببعض الآيات في غير سياقها وتأويلها تأويلا خاطئا وفق أهوائهم ويطوعونها وفق مبادئهم المحرفة.
وفي هذا الصدد، رأى الوزير أن التعاون القائم بين البلدان العربية لمواجهة الإرهاب والأفكار المتطرفة هو تعاون أمني بالأساس ولكن ذلك لا يمنع من وجود تعاون في المجال الديني رغم نقصه، ولكنه يمكن أن يكون لبنة لتركيز تعاون أعمق وأكبر فالندوات العلمية واللقاءات الفكرية ليست الوحيدة الكفيلة بمقاومة الإرهاب والتطرف بل نحتاج إلى تعاون أعمق وأكثر كثافة في مجالات مختلفة منها الإعلام الديني وتبادل الخبرات والتجارب وتكثيف التكوين.
وفيما يتعلق بالحوار بين الأديان والثقافات، قال الوزير التونسي “لقد جاء القرآن الكريم معلما رائعا في مجال الحوار رغم الاختلاف فأشارت آيات قرآنية إلى ذلك بين الخالق وإبليس”.
وأضاف: “كما أن السنة النبوية أكدت فلسفة الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم في إدارة علاقته مع المحيطين به القائمة على الحوار واللين كما يشير إلى ذلك القرآن الكريم “فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين”(آل عمران: 159).
وتابع: “فالحوار ليس مبدأ جديدا في عصرنا الحديث بل هو من موروثنا الإسلامي وعليه بنينا نحن أيضا مبادئنا التي من أهم مقوماتها الانفتاح على الآخر ودعم الحوار وقبول الاختلاف بل والعمل على نشر هذه الثقافة لدى الجميع وخاصة الناشئة والشباب”.
وأردف: “ومن هذا المنطلق جاءت تسمية وزارة الشئون الدينية بـ “الدينية” لا “الإسلامية” لأنها إلى جانب مهمتها الأساسية في العناية بالدين الإسلامي كدين الأغلبية الساحقة من الشعب التونسي تعني بغيره من الديانات، ولقد سعت إلى تنظيم لقاءات حوارية جمعت ممثلي الأديان متمثلة في اليوم الدراسي “سماحة الأديان دعم للتعايش ودحض للتطرف” الذي انعقد بمتحف باردو يوم 26 أكتوبر 2017 والندوة الوطنية “التعايش بين الأديان في تونس دعم للسياحة ومقاومة الإرهاب” التي انعقدت بمدينة طبرقة يومي 31 يناير و1 فبراير 2018 والندوة الدولية “حوار الأديان والحضارات من أجل مجابهة التطرف والإرهاب” التي انعقدت بجزيرة جربة يومي 3 و4 مايو 2018 بمناسبة الزيارة السنوية لكنيس “الغريبة” والتي انبثق عنها “ميثاق تونس للتعايش”، كما نظمنا مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان (مكتب تونس) خلال رمضان 2019 مأدبة الأخوة الإنسانية بمشاركة الأئمة والأساقفة والأحبار.
وقال “من جهة أخرى، فإننا نشارك الإخوة اليهود التونسيين احتفالات زيارة “الغريبة” كل عام التي يحضرها كبار المسئولين في الحكومة يتقدمهم رئيسها وكذلك عدد من الأئمة الخطباء والوعاظ، كان آخرها خلال شهر رمضان الماضي وتحديدا يوم 29 أبريل 2021 يسبقها بيوم واحد إشراف رئيس الحكومة على احتفال ديني بجامع عقبة بن نافع الفهري بالقيروان احتفاء بذكرى نزول القرآن في دلالة عميقة الأبعاد على هذا التعايش الأنموذجي”.
وبالنسبة لموقف تونس من القضية الفلسطينية، قال الوزير: “موقف تونس في هذا الصدد واضح لا لبس فيه منذ بداية المأساة، فلم يتغير إطلاقا على المستويين الرسمي والشعبي، وإننا إذ نشجب الاعتداءات المتواصلة التي لم تستثن الإنسان والأرض والمقدسات، فإن بلادنا لم تدخر جهدا للتعريف بالقضية والدفاع عنها في كل المحافل الدولية”.
وأضاف: “لا شك أن القدس تمثل عصب القضية وقطب رحاها، ولما كان المجال لا يسمح باستعراض جملة هذه المواقف فإننا نشير إلى تنظيم وزارة الشئون الدينية يوم 24 مايو الماضي ندوة دولية حول “القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين في الضمير والوجدان الإنساني” شارك فيها مفتي القدس وثلة من المختصين في القانون والعلوم الشرعية والإنسانية من تونس وفلسطين والجزائر والأردن وليبيا، وذلك في إطار المساندة للإخوة الفلسطينيين بمناسبة الاعتداءات الصهيونية الهمجية عليهم وتمت متابعتها من الآلاف على تطبيق زووم وعلى بعض وسائل الإعلام وعلى الموقع الرسمي لصفحة التواصل الاجتماعي “فيسبوك” للوزارة”.
وفي هذا الصدد، أشاد الوزير التونسي بالموقف المصري الرسمي والشعبي ومساهمته الفعالة في رد العدوان، وبخصوص تدريب الأئمة، أكد وزير الشئون الدينية التونسي أن الوزارة تحرص على تأمين التدريب للأئمة بغية تطوير مهاراتهم وكفاءاتهم وفق المتاح من إمكانيات، وقد كانت العديد من الورشات التدريبية تتم على صعيد وطني مع العديد من المؤسسات التابعة لوزارة الشئون الدينية ومع هيئات وطنية وهيئات دولية (المفوضية السامية لحقوق الإنسان مكتب تونس ومؤسسة كونراد إيديناور الألمانية واليونسيف وهيئة الأمم المتحدة لتمكين المرأة والرابطة التونسية لحقوق الإنسان والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والهيئة الوطنية للانتخابات والهيئة الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر…).
وأشار الوزير إلى أن تلك الورشات شملت مجالات عديدة منها الشأن الديني والتواصل والخطابة وحقوق الإنسان والتعريف بالقوانين المناهضة للعنف ضد المرأة أو الإتجار بالبشر أو قبول الاختلاف وحياد الانتخابات.. لافتا إلى أنه بسبب فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) تم تنظيم العديد من الدورات عن بعد.
وأضاف: “وقد أصدرت وزارة الشئون الدينية عام 2019 ولأول مرة ميثاق ودليل الإمام الخطيب قصد تأطير عمله وضبط خطابه وفق المنهج الشرعي المعتمد بما يقيه الزلل”.
وأوضح أن الوزارة الأولى في العالم الإسلامي التي بعثت عام 2020 وحدة رصد الاعتداءات والتهديدات المسلطة على الإطارات الدينية بمناسبة أدائهم لمهامهم بدعم من المفوضية السامية لحقوق الإنسان وتنسيق مع الجامعة العامة للشئون الدينية المنضوية تحت لواء المنظمة الشغيلة الاتحاد العام التونسي للشغل.
وفيما يتعلق بجائحة كورونا وكيف أثرت على برامج الوزارة، قال الوزير: “مثل جل دول العالم، أثر الفيروس التاجي على مختلف المجالات ومن بينها الشأن الديني، وبما أن الإنسان عليه التأقلم مع مختلف الوضعيات فقد كان علينا في وزارة الشئون الدينية التأقلم مع هذا الوضع الطاريء وحماية مواطنينا خاصة في ظل التأكيد العلمي على سرعة العدوى والانتشار السريع لهذا الفيروس، فكان اعتماد الوسائل التواصلية الحديثة لتنظيم الندوات العلمية والدورات التكوينية باستعمال تقنية التواصل عن بعد، فضلا عن اعتمادها في المشاركة بالعديد من الاجتماعات في تونس أو في المشاركة في الندوات الدولية.
وأضاف: “من جهة أخرى، كان لزاما علينا من وجهة المسئولية ومن منطلقات ديننا الحنيف الالتزام بقرارات اللجنة العلمية التي ارتأت غلق المعالم الدينية من جوامع وكنائس وبيعات أمام مرتاديها بسبب انتشار فيروس كورونا لفترة معلومة وفتحت بعد ذلك، وحرصنا على اعتماد بروتوكولات صحية خاصة بدور العبادة ومنها إجبارية ارتداء الكمامة وجلب المصلين لسجاد الصلاة الخاص وكتب القرآن الكريم والسبحات الخاصة بهم مع غلق المواضي والتباعد.. وهي القرارات التي ولئن أثارت بعض الانتقادات فإننا لم نتراجع عن تطبيقها إيمانا منا بأن النفس البشرية مقدسة ويجب حمايتها كأحد مقاصد الشريعة الغراء وإحدى كلياتها الخمس”.
وتابع “كما حرصت الوزارة على تأمين دروس وخطب جمعية وومضات إشهارية وبرامج تلفزية وإذاعية وبرامج على وسائل التواصل الاجتماعي للتحسيس بطرق الوقاية الواجب اعتمادها لدى الجميع والحد من انتشار الفيروس وحث الناس على التسجيل للتلقيح وذلك في إطار التعاون مع وزارة الصحة ومع بعض مكونات المجتمع المدني”.