نشر موقع “ذي هيل” الأمريكي تقرير بعنوان “نهاية الدولار كما نعرفها”، وجاء به أن هناك حالة من عدم اليقين والمخاوف تنعكس بوضوح على الأسواق العالمية، حيث يهرلاب المستثمرون إلى أصول تعتبر آمنة، مثل الذهب وسندات الخزانة الأمريكية والدولار، ولا تزال استمثاراتهم تتدفق إلى الولايات المتحدة على نطاق واسع، في حين أن جزءا كبيرا من حالة انعدام الأمان الحالية سببها المباشر هو البيت الأبيض، وفي الوقت نفسه تُرى المزيد من التعليقات تثير الحديث حول مسألة وجود تحول من الدولار إلى عملات أخرى، وعلى الرغم من أن تلك العملية تجري ببطء ولكن بثبات.
مخاطر تهدد الدولار
كتبت شركة “جيه بي مورجان” شركة استثمار بنكي أمريكية كبر مؤخرا: نعتقد أن الدولار يفقد مكانته كعملة مهيمنة في العالم، والتي قد نرى أنها تنخفض على المدى المتوسط) لأسباب هيكلية بالإضافة إلى العوائق الدورية.
وقال حاكم بنك إنجلترا، مارك كارنيب إن وضع الدولار كقوة مهيمنة يضع الاقتصاد العالمي تحت ضغط متزايد ويحتاج إلى إنهاء.
وأضاف التقرير أنه ليس من المفاجئ ان تسيطر التساؤلات حول هيمنة الدولار في المرحلة الحالية، فيما تبدو سياسات الولايات المتحدة الحالية والمستقبلية غامضة أوغير موجودة، ويشعر الحلفاء وكذلك الأعداء أيضا بأن الأمور خارجة عن السيطرة لأن عليهم الانتظار ورؤية العواصف المرتقبة غير المتوقعة والعشوائية التي قد يأتي بها حساب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على “تويتر””.
في الوقت نفسه، تتخذ دول مثل الصين وروسيا مواقف صارمة على نحو متزايد.
ويؤكد التقرير أن التفوق النسبي للولايات المتحدة آخذ في التضاؤل، وهناك شكوك متزايدة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستستمر في دعم النظام الدولي الذي قامت ببنائه وتشكيله إلى حد بعيد.
ربما تكون قوة الولايات المتحدة تتقلص بالمعنى النسبي، لكن البلاد لها مخالبها وقوتها في المشاريع وفي البلدان من جميع أنحاء العالم تقريبًا.
و نظرًا لدور المؤسسات المالية والسلطات الأمريكية والدولار الأمريكي في نظام”SWIFT” أي “جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك”، فإن الشركات غير الأمريكية تشعر بالرعب من أنها قد تتكبد غرامات بمليارات الدولارات. إنهم يشعرون بالقلق من أن يحدث هذا بمجرد وجود دليل صغير يمكن أن يربطهم بدولة أو مؤسسة تتعرض للعقوبات من واشنطن كإيران مثلا. لذلك، تبحث العديد من الدول عن طرق لتصبح أقل اعتمادًا على الدولار والولايات المتحدة بشكل عام.
كيف بدأت هيمنة الدولار؟
بدأت أمريكا بالفعل في التحرك نحو الهيمنة على الاقتصاد العالمي قبل نهاية الحرب العالمية الثانية وبعدها مباشرة، عندما أقامت دول الحلفاء نظام “بريتون وودز”. بعد ذلك، نجحت الولايات المتحدة في زيادة قوتها المالية والاقتصادية والسياسية والعسكرية التي أتاحت لها وضع بصمة هيكلية وكاسحة على العالم.
في الوقت نفسه، تعرض الأمريكيون للانتقاد لكونهم متعجرفين.ففي أوائل الستينيات من القرن الماضي، قال الرئيس الفرنسي آنذاك، شارل ديجول بانفعال إنه كان “امتيازًا باهظًا للأمريكيين بأن يكون الدولار هو العملة الاحتياطية العالمية”. وبذلت محاولات من وقت لآخر لإضعاف هيمنة الدولار، ومعظمها لم تحقق الكثير من النجاح.
ومع ذلك ، فإن الأمور تتغير بطريقة يبدو أنها تشير إلى أن معظم البلدان تريد أن تصبح أقل اعتمادًا على الدولار. في حين أن الصين تمتلك 14% من نقد الحكومة الأمريكية في عام 2011 ، فقد انخفضت هذه النسبة إلى 7 % حتى الآن. إذا نظرنا إليها من منظور أوسع، من الواضح أن احتياطيات الدولار في البنوك المركزية الأخرى قد بدأت تلعب دورًا أقل بروزًا.
حوالي 70% من احتياطيات العملات للبنوك المركزية كانت عبارة عن دولارات بداية الألفية الثانية 2000، في حين أن هذه الحصة الحالية تبلغ 60%. في الوقت الذي نشهد فيه مبادرات سياسية من قبل دول تحاول الابتعاد عن براثن النظام المالي الأمريكي والدولار.
حيث تريد أوروبا مواصلة لتجارتها مع إيران عبر آلية مالية تسمى أداة “INSTEX” لتجاوز نظام العقوبات الأمريكي. وهناك المزيد والمزيد من المبادرات التي تهدف إلى ضمان قدرة الدول على تداول عملاتها المحلية بدلاً من استخدام الدولار – على سبيل المثال، في سياق تجارة الطاقة بين الصين وروسيا.
قوة الدولار
ومع ذلك، على وجه التحديد، فإن بيع وشراء النفط ومصادر الطاقة الأخرى يُظهر مدى قوة الهيمنة الأمريكية. حيث تُدفع 80٪ من تجارة النفط العالمية بالدولار. وهناك بيانات واقعية أخرى:
* يستخدم الدولار في التحويلات المالية بنسبة تتراوح بين 80 و90%.
* 62% من احتياطيات العملة العالمية من الدولار، فما يأتي اليورو في المركز الثاني بنسبة 20%.
* 60% من الديون الدولية غير المسددة بالدولار.
ومن بين الأمثلة على هيمنة الدولار، تدفع كل من البرازيل والهند 80% من وارداتها بالدولار، في حين أن نسبة ضئيلة فقط من الواردات تأتي من الولايات المتحدة نفسها.
متى تنتهي هيمنة الدولار
يظهر التاريخ أن السلطة الأمريكية الحالية يمكنها التمسك ببعض الامتيازات ومصادر الطاقة لفترة طويلة جدًا حتى بعد حدوث انخفاض كبير للدولار. تمتلك أميركا اقتصاد أكبر من المملكة المتحدة منذ عام 1870، لكن الجنيه ظل أهم عملة في العالم لعدة عقود بعد ذلك.
وأكد التقرير أنه لن يكون هناك بديل للدولار كعملة عالمية في أي وقت قريب، في الوقت نفسه، تظهر التدابير المبدئية التي تتخذها البلدان لتقليل اعتمادها على الدولار أنه يمكن توقع وجود “حقبة ما بعد امريكا”. ومن المحتم أن يزداد هذا الاتجاه الآن نظرا لأن الولايات المتحدة تعتبر خصما متقلبا بكشل متزايد وحليفا لا يمكن الوثوق به أو التنؤ بتصرفاته. الأمر الذي ظهر بشكل واسع خلال فترة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجارية.