تناولت صحيفة “فايننشال تايمز” في افتتاحيتها، التي جاءت تحت عنوان “احتجاجات السودان تحمل رائحة الربيع العربي”، المظاهرات الشعبية التي اجتاحت البلاد خلال الأسابيع الماضية.
وتقول الافتتاحية، ، إن “الرئيس السوداني عمر البشير، لديه قدرة استثنائية على البقاء جعلته يتحمل سنوات من العزلة الدولية، ويخمد عددا من الانتفاضات ضد حكمه منذ سيطرته على السلطة في انقلاب دعمه الإسلاميون في 1989”.
وتشير الصحيفة إلى أنه “إذا كان من غير الحكمة وفق هذه الرؤية توقع أن يكون رحيل البشير عن السلطة وشيكا، فإن الاحتجاجات التي انتشرت خلال الأسابيع الماضية في مدن وبلدات في عموم البلاد، تشير فعلا إلى أن يوم حسابه يقترب”.
وترى الافتتاحية أن “مثل هذا اليوم لو جاء، سيشكل لحظة أمل عظيمة في القرن الأفريقي، لكنها لحظة خطر حقيقي بشكل مواز”.
وتوضح الصحيفة بالقول، إن “التحرر من وصمة عار في أن يكون شخص متهم بجرائم حرب على رأس الدولة، سيطلق بعملية انتقال سياسي تدار بشكل جيد، إمكانيات هائلة للاقتصاد السوداني، لكن في الوقت ذاته، فإنه يمكن لنهاية فوضوية للنظام أن تجلب للبلاد أعواما من النزاع والاضطراب”.
وتجد الافتتاحية أن “البشير يحظى ببعض الدعم من دول الخليج منذ وقوفه في صف المملكة العربية السعودية في معاركها في الشرق الأوسط، لكن إذا غرقت البلاد في هذا المأزق (الاحتجاجات)، فإنها تحتاج إلى ما هو أكبر من هذا الدعم بكثير.”
وتلفت الصحيفة إلى أن “السودان بعد خسارته موارد النفط، التي كانت تدر المليارات على خزينة الدولة عندما انفصل الجنوب عام 2011، فإن الاقتصاد دخل حالة انهيار لولبي، ولم تؤد محاولات رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على البلاد إلا لمنافع قليلة، ورغم مصادقة باراك أوباما على سلسلة من المبادرات لرفع العقوبات، إلا أن واشنطن غيرت من الأهداف في أكثر من مرة”.
وتنوه الافتتاحية إلى أن “السودان تعاون في الحرب ضد الإرهاب أكثر من أي دولة مسلمة، لكنه ظل لأسباب سياسية على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للإرهاب، وسيكون من الصعب إقناع الكونغرس الأمريكي بتغيير الوضع في ضوء ما ذكرته منظمة (أمنستي إنترناشونال)، عن مقتل 37 متظاهرا على الأقل واعتقال الكثيرين”.
وتعتقد الصحيفة أن “جذور الأزمة الاقتصادية في جوهرها سياسية، ولتجاوزها فإن هناك حاجة إلى جذب الاستثمارات، والتخلص من المديونية المتراكمة التي تصل إلى 56 مليار دولار، لذا فإن هناك ضرورة لبداية سياسية جديدة”.
وتستدرك الافتتاحية بأن “مثل هذه البداية غير مرجحة مع بقاء البشير في السلطة، وللهرب منها، وجذب الاستثمارات، والتخلص من دين 56 مليار دولار، فإن هناك حاجة للتغيير السياسي، وطالما ظل البشير في السلطة، فإن هذا ليس ممكنا”.
وتفيد الصحيفة بأن “البشير يعيش تناقضا ظاهريا عادة ما يحمله الرجل القوي، فمن أجل إخماد الغضب الحقيقي عليه تقديم تنازلات حقيقية، وليس رفع الرواتب، ودعم الدولة للمواد الأساسية، الأمر الذي لا تستطيع الدولة توفيره في المقام الأول، بل يجب تقديم تنازلات سياسية”.
وتختم “فايننشال تايمز” افتتاحيتها بالقول إنه “طالما انكشف الغطاء، فإن نجاة البشير وجماعته لم تعد مؤكدة”.