اندلعت المعارك مجدداً في إثيوبيا بين الحكومة الفديرالية وجبهة تحرير شعب تيغراي على نطاق واسع وباتت العودة إلى طاولة المفاوضات موضع شك في أحسن الأحوال.
واتفق الجانبان على أن الطلقة الأولى في المعارك الجديدة انطلقت في ساعة مبكرة من صباح يوم 24 أغسطس الماضي على الحدود الجنوبية لإقليم تيغراي في بلدة كوبو التي تقع بالقرب من إقليم أمهرة، وكل جانب يحمل الآخر مسؤولية تجدد القتال.
ما هو واضح من المعلومات التي تم الحصول عليها من الدبلوماسيين الغربيين هو أن قوات الدفاع الوطني الإثيوبية وميليشيا الأمهرة المتحالفة معها والمعروفة باسم فانو حشدت قوة ضخمة بالقرب من بلدة كوبو خلال الأسابيع السابقة.
من جانبها قامت جبهة تحرير شعب تيغراي بحملة تجنيد واسعة بحيث زاد عدد مقاتليها بشكل واضح وخصصت الكثير من مواردها للتدريب وإعادة التسليح على الرغم من نفيها اللجوء إلى التجنيد الإجباري.
واستولت الجبهة على ترسانة ضخمة من عتاد الجيش الفديرالي في معارك العام الماضي وهناك شائعات بأنها اشترت أيضاً أسلحة جديدة من الخارج.
ورغم تصاعد التوتر مؤخراً إلا ان التفاؤل كان لا يزال سائداً حتى فترة قريبة بقرب البدء بمحادثات السلام بين الطرفين.
وكان رئيس الوزراء آبي أحمد قد فوّض نائبه ديميكي ميكونين برئاسة لجنة سلام بدأت العمل في يوليو الماضي.
حتى قبل ذلك ذكرت تقارير أن رئيس الوزراء الإثيوبي أوفد أحد كبار المسؤولين لعقد لقاء سري مع جبهة تحرير شعب تيغري.
خلال جلسات المحادثات التي عقدت في جزر سيشيل وجيبوتي يبدو أنه تم التوصل إلى اتفاق على أن ترفع القوات الإثيوبية الحصار الذي تفرضه على تيغراي وأن تسحب إريتريا القوات التي أرسلتها لدعم الحكومة وأن يبدأ الطرفان في عقد محادثات سلام شاملة في العاصمة الكينية نيروبي تحت رعاية الرئيس الكيني أوهورو كينياتا والبند الأول من جدول أعمال المحادثات هو التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار.
كانت الولايات المتحدة تدعم هذه المحادثات بقوة من خلف الكواليس وكانت تعمل بالشراكة مع كينيا.
دعا المبعوث الأمريكي الخاص مايك هامر ومبعوثو الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة أثناء زيارتهم لعاصمة إقليم تيغراي ميكيلي في 2 أغسطس إلى “استعادة سريعة للكهرباء والاتصالات والخدمات المصرفية وغيرها من الخدمات الأساسية” و “وصول المساعدات الإنسانية دون قيود” ملمحين إلى أن آبي أحمد وافق على هذه الخطوات.
لكن مبعوث الاتحاد الأفريقي أولوسيغون أوباسانجو إلتزم الصمت إزاء الحصار المفروض على تيغراي. وأبلغ الجنرال أوباسانجو المبعوثين أنه الوسيط الوحيد بين الطرفين وفاجأهم باقتراح دعوة إريتريا، حليف إثيوبيا، إلى المحادثات.
وتتهم الجبهة الحكومة بالإخلال بإلتزاماتها فيما الأخيرة لا تعترف بعقد أي اجتماعات. كما يلتزم المبعوثون الدوليون الصمت بشأن السبب الحقيقي لانهيار المحادثات.
طوال شهري يوليو وأغسطس أبقت أديس أبابا إلى حد كبير الحصار المفروض على الخدمات الأساسية حيث سمحت بدخول كميات قليلة من الغذاء والأدوية والأسمدة لمحاصيل هذا الموسم إلى الإقليم.
لم تشعر الجبهة بالإرتياح إزاء الثناء الدولي على “الهدنة الإنسانية” التي استمرت خمسة أشهر والتي سمحت لبرنامج الغذاء العالمي باستئناف عملياته في تيغراي وإن كان ذلك على نطاق محدود.
وتصر الجبهة على أن استمرار حصار الحكومة على الإقليم يرقى إلى استخدام الجوع كسلاح حرب وأن عمليات الإغاثة كانت غير كافية إلى حد بعيد.
ويقول برنامج الأغذية العالمي إنه نجح في الوصول إلى “عشرات الآلاف” من الأشخاص وأنه كانت تلك مجرد بداية لكنها كانت أقل بكثير من إغاثة 4.8 مليون في الإقليم.
في رسالة مفتوحة إلى قادة العالم عشية اندلاع القتال قال زعيم الجبهة دبرصيون جبراميكائيل: “إننا نقترب بسرعة من النقطة التي نواجه فيها الموت بكل الأحوال لذلك نفضل أن نموت ونحن ندافع عن حقوقنا وكرامتنا”.
تفتك المجاعة بأبناء تيغراي ولا أحد يعرف عدد الذين لقوا حتفهم، لكن تحقيقا أجراه فريق أكاديمي بقيادة بلجيكي في وقت سابق من هذا العام قدّر أن ما يصل إلى 500 ألف من سكان تيغراي لقوا حتفهم بسبب الجوع ولأسباب ذات الصلة منذ بدء الحرب في نوفمبر 2020 بعد انفجار الخلاف بين الحكومة الفديرالية وحكومة إقليم تيغراي التي تسيطر عليها جبهة تحرير شعب تيغري.
باستثناء طاقم تلفزيون فرنسي من قناة ARTE لم يدخل صحفي أجنبي إلى تيغراي منذ أن استعادت الجبهة السيطرة على معظم الإقليم في يونيو 2021.
لم يتمكن العدد القليل من عمال الإغاثة المسموح لهم بالدخول من جمع البيانات الأساسية عن وفيات الأطفال، حيث أقرت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي بأننا “لا نعرف” ما إذا كانت هناك مجاعة أم لا.
على المدى القصير يمكن أن تتفاقم الكارثة الإنسانية إذ توقفت حتى المساعدات المحدودة الآن ولن يتم حصاد المحاصيل القليلة لأكثر من شهر وسيؤدي القتال إلى مزيد من الدمار.
قصفت القوات الجوية الإثيوبية مدينة ميكيلي الأسبوع الماضي فأصابت روضة أطفال وقتلت سبعة بينهم ثلاثة أطفال بحسب الطاقم الطبي. ونفت الحكومة ذلك وأصرت على أنها تستهدف النقاط العسكرية فقط.
وتم الإبلاغ عن غارة جوية ثانية على ميكيلي ليلة الثلاثاء الماضي.
استولت الجبهة على 12 صهريج وقود للأمم المتحدة ، مما أثار إدانة غاضبة من قبل كبار المسؤولين الإنسانيين.
وقالت الجبهة أنها أقرضت الوقود للأمم المتحدة منذ بضعة أشهر وكانت تستعيده فقط ، لكن طريقة وتوقيت ما قامت به الجبهة يشير إلى أن الوقود لم يكن لتقديم خدمات روتينية كما زعم المتحدث باسمها.
زعم سلاح الجو الإثيوبي أنه أسقط طائرة تحمل أسلحة إلى تيغراي قادمة من الأجواء السودانية ونفت الجيهة ذلك تماماً.
ووردت تقارير عن تحركات كبيرة للقوات داخل إريتريا تقوم بها القوات الإريترية والإثيوبية في مواقع قريبة من حدود تيغراي. والتزمت الحكومة الإريترية بالصمت إزاء هذه الأخبار.
ووردت أنباء يوم الأربعاء عن اندلاع معارك في غرب تيغراي باتجاه الحدود مع السودان.
من خلال غبار المعارك تسربت أخبار عن وقوع معركة ضخمة في كوبو. أفادت مصادر جبهة تحرير شعب تيغراي بأن مقاتليها حققوا انتصاراً كبيراً على قوة هائلة من 20 فرقة و تم الاستيلاء على ترسانة هائلة والاسلحة والعتاد ولا يمكن التأكد من صحة هذا الإدعاء من طرف مستقل.
وتنفي الحكومة الإثيوبية تكبد قواتها أي خسائر. كما أصدرت تعليماتها إلى وسائل الإعلام بـ”إلتزام الحذر الشديد في تقاريرها وإدارة المعلومات في أوقات الأزمات لتعكس المصلحة الوطنية للبلد”.
وقالت الحكومة أن قواتها أخلت كوبو فيما تشير التقارير الواردة من مدينة وولديا الواقعة على بعد 50 كيلومترا إلى الجنوب إلى عدم وجود أي قوات حكومية فيها. حتى الآن لم تحرك الجبهة قواتها جنوبا قائلة إنها لا تعتزم تكرار تقدم العام الماضي الذي وصل إلى مسافة 200 كيلومتر من العاصمة أديس أبابا.
ونفى المتحدث باسمها التقارير التي تفيد بأنها استولت على ولديا.
الموقف المعلن للجبهة هو أنها تريد دخول في محادثات سلام فورية. وعلى الرغم من أن لديها تحالفا معلناً مع جيش تحرير أورومو ، الذي يخوض حرباً شرسة ضد الحكومة الفديرالية في جنوب وغرب إثيوبيا، إلا أن الجبهة ليس لديها تحالف يمكن من خلاله حكم البلاد. ويميل معظم أبناء تيغراي إلى القتال من أجل موطنهم الأصلي.
في الوقت الراهن لا توجد مفاوضات سلام يعتد بها. فرغم مرور عام على تعيين الجنرال أوباسانجو وسيطاً بين الطرفين فإنه لم يحقق أن تقدم حتى الآن مما حدا ببعض الدبلوماسيين الأفارقة والغربيون إلى القول بهدوء إن موقف الجنرال لا يمكن الدفاع عنه رغم أنه لا يزال يحظى بدعم الحكومة الإثيوبية.
تعثرت المبادرة الأمريكية-الكينية في منتصف أغسطس عندما أُعلن عن فوز ويليام روتو في الانتخابات في كينيا وتغلب على المرشح الذي أيده كينياتا رايلا أودينجا.
المبادرة تتوقف على المشاركة الشخصية لكينياتا. ورغم أنه من المحتمل أن يكلف الرئيس روتو الرئيس السابق كينياتا برئاسة محادثات السلام لكن يظل هناك الكثير من عدم اليقين في السياسة الكينية قبل أن يحدث ذلك.
ويبدو أن الأمريكيين ليست لديهم “خطة بديلة”. ودعا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين إلى العودة إلى المحادثات “دون أي شروط مسبقة” لكن من غير المحتمل أن يستجيب أي من الجانبين لمناشدته.
لا يريد آبي أحمد أن يبدو ضعيفًا على طاولة المفاوضات بعد الخسارة في ساحة المعركة وعادت أديس أبابا إلى الخطاب المتشدد ضد جبهة تحرير شعب تيغراي متهمة إياها بـ “الإرهابية”.
تطالب الجبهة برفع الحصار الذي تصفه بجريمة حرب، كشرط مسبق لأي محادثات. وتصر على أنه لا ينبغي منح الحكومة الفيدرالية تفويضاً مطلقاً للتراجع عن الالتزامات التي تم التعهد بها بالفعل.
خلاصة القول، لقد أثبتت معاناة وموت الأسبوع الماضي شيئاً كان على الإثيوبيين والمجتمع الدولي أن يدركوه تماماً وهو أنه لا يوجد حل عسكري للحرب في تيغراي.