كشف تقرير غربى الدور الذى تلعبه تركيا، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، فى تمكين وتسهيل حركة دخول المسلحين الأتراك والأجانب عبر الحدود التركية إلى سوريا، للانضمام إلى صفوف مقاتلى تنظيم «داعش» الإرهابى.
وقدم التقرير المنشور فى صحيفة «ذَا انفيستيجيتيف جورنال (تى.آى.جيه)»، ومقرها «لندن»، صورة واقعية عن عمليات دخول الأجانب إلى سوريا، مستعيناً بالاتصالات السرية التى حصل عليها الصحفى «عبدالله بوزكرت»، صاحب التقرير، من مصادر خاصة فى «أنقرة».
وتضمن التقرير وثيقة لرجل يُعرِّف نفسه بأنه مواطن «أذربيجانى» يُبلغ أمير الحدود لـ«داعش» إلهامى بالى، بأنه و6 آخرين، سيصلون قريباً إلى محطة الحافلات فى مقاطعة «غازى عنتاب» التركية الحدودية، ويقول إن 6 آخرين من زملائه سيأتون فى الحافلة التالية للانضمام إليهم، ويسأل عن موقع العبور بشكل غير قانونى إلى سوريا. فيما تحدث أمير حدود «داعش» عن نقل «أبوعبدالله غريب»، مسئول تهريب مقاتلى «داعش» الجرحى إلى تركيا.
النظام التركى استفاد من الهجمات الانتحارية داخل “أنقرة” لحشد الدعم الانتخابى لحزب “العدالة والتنمية”.. وتقاعس عن ضبط المنفذين رغم علمه بأسمائهم والتسجيلات السرية تُظهر وجود اتفاق بين “داعش” والمسئولين الأتراك يسمح للمهربين بالعمل على الحدود بين البلدين دون تعقب أو مضايقات من الحكومة التركية
التسجيلات، التى خرج بعضها للعلن فى قضية خاصة بـ«داعش»، أُغلقت سريعاً بتركيا فى أغسطس 2018، وتُظهر وجود اتفاق ضمنى بين «داعش» والمسئولين الأمنيين الأتراك، يسمح للمهربين بالعمل بحرية على جانبى الحدود بين البلدين، وتمتد لـ822 كيلومتراً، دون تعقّب أو مضايقات من الحكومة التركية.
وسمح الاتفاق أيضاً لـ«داعش»، بإدارة خطوط لوجيستية عبر الحدود، لنقل المقاتلين الجرحى من الجبهة إلى تركيا لتلقى العلاج، وتكشف المناقشات المسجلة بين الأطراف المختلفة فى «داعش»، قصة مختلفة عمّا تردده حكومة «أردوغان» فى العلن، حيث يُظهر تقديم الحكومة الغطاء السياسى لـ«داعش»، لتتمكن من العمل، وتفادى الملاحقات القضائية، بحسب الصحيفة البريطانية.
وأشارت الصحيفة إلى حصولها على التسجيلات بإذن قضائى، كجزء من تحقيق قانونى عن «داعش»، بدأ فى 2014 من قبل مكتب المدعى العام فى أنقرة. وتابعت: «على الرغم من ذلك، وباستثناء بعض المعلومات المتعلقة بقضية أخرى لتنظيم (داعش) فى أنقرة، لم تخرج تلك التسجيلات للعلن أبداً، والواقع هو أن التنصت على متعاملى (داعش) الرئيسيين، جرى إيقافه فى 27 أبريل 2015، إلى جانب إتلاف بعض التسجيلات، طبقاً لتعليمات محققى الشرطة الأتراك، بادعاء عدم وجود جريمة.
وبدأ تقرير «تى.آى.جيه»، وحصلت «الوطن» على نسختين منه، بالعربية والإنجليزية، بتقديم شخصية الوسيط، وهو مواطن تركى، سعودى المولد، ذو لحية كثة مع شارب وشعر قصيرين، عمره 36 عاماً، اسمه «إلهامى بالى»، وكنيته (أبوبكر)، وهو قائد نفوذ على المنطقة الحدودية، ومهمته تسهيل وإدارة مرور أعداد كبيرة من المقاتلين الأجانب والأتراك والسوريين، ذهاباً وإياباً، عبر الحدود التركية السورية.
وتابعت الصحيفة البريطانية: «أوضحت السجلات الرسمية أنه مُقيم فى بلدة (ريهانلى) التركية الحدودية بمقاطعة (هاتاى)، جنوب شرق البلاد، ويعتقد أنه موجود حالياً فى شمالى سوريا، وظل (بالى) تحت مراقبة السلطات التركية لفترة طويلة، وهاتفه تحت المراقبة بأمر من محكمة الجنايات». وبحسب «تى.آى.جيه»، فالمحاكم التركية أدانت «بالى» من قبل فى أحد التحقيقات، قبل الأزمة السورية فى 2011، بتهم تتعلق بانتمائه لتنظيم القاعدة، وحُكم عليه بالسجن 3 سنوات، واُحتجز بشكل مؤقت قبل محاكمته، فى الفترة من 2 أبريل حتى 19 سبتمبر 2012، ثم أطلقت السلطات التركية سراحه قبل صدور الحكم، وسط ترجيحات بأن «بالى» قد غادر تركيا للإقامة فى سوريا اعتباراً من 2012.
التسريبات المسجلة توضح دور «بالى» المحورى فى إدارة عمليات التهريب عبر الحدود، وتنوعت بين استقباله للمقاتلين فى المطارات ومحطات الأوتوبيس بالمحافظات الواقعة جنوب شرق تركيا، وترتيب لقاءات لهم مع المهربين، لتمرير المتطلعين للانضمام إلى «داعش»، عبر الحدود إلى سوريا.
وتكشف التسريبات أن «بالى» نقل البضائع عبر الحدود لصالح «داعش»، واشتملت على الأحذية والملابس وصولاً إلى الأغلال الحديدية وأجزاء الطائرات بدون طيار، والنظارات المعظمة والخيام، وكشافات ذات قوة عالية، وقارب بحرى، كما تكشف التسريبات عن علم الحكومة التركية بأسماء وأماكن 33 مواطناً تركياً، تعهدوا بالعمل سائقين لصالح شبكة التهريب التابعة لـ«داعش».
ورغم صدور أوامر بالقبض على «بالى»، كما أوضحت التسجيلات التليفونية، فالسلطات التركية كانت تعلم موقعه بالتحديد، لكنها لم تتخذ أى إجراء ضده، وظل يواصل تحركاته بين سوريا وتركيا بحرية تامة.
وأظهرت التسجيلات كيف أدار «داعش» مركزاً جهادياً من خلال تركيا، يتضمن خطوطاً ساخنة للاتصال، ومركزاً للاتصالات مهمته استقبال وتوجيه الإرهابيين الراغبين فى الانخراط فى الحرب السورية. وتابعت الصحيفة: «أدارت قيادة (داعش) خطاً تليفونياً من مدينة (تل البياض) الحدودية، وأظهرت التسجيلات قيام بالى بتحويل المكالمات الواردة إلى مركز اتصالات (داعش)، للحصول على موافقتهم، تمهيداً لإدخالهم إلى سوريا».
وأظهر التقرير استخدام «داعش» لمحطات الوقود والمساجد وملاعب كرة القدم كنقاط التقاء، كما وقع اختيارهم على فنادق «غازى عنتاب»، التى لا يهتم موظفوها بطلب بطاقات هوية أو جوازات سفر رسمية، بالمخالفة للقوانين التركية، وتابعت الصحيفة: «فى أحد الاستجوابات القضائية عام 2016، اعترف المتهم الداعشى (يعقوب شاهين)، الذى كان يخضع للمحاكمة لشرائه (نترات الأمونيا) المستخدمة فى صناعة القنابل، بأنه كان يعلم جيداً بالمقاتلين الذين توجهوا إلى سوريا. وفِى تسجيلات أخرى، يظهر صوت (بالى) وهو يناقش الأعداد التى تعبر الحدود، ويقدم بها تقارير شهرية لقادة (داعش)، للحصول على مستحقاته، بمتوسطات من 50 إلى 100 شخص فى اليوم الواحد، ما يصل بالأعداد إلى قرابة الـ150 ألف إرهابى سنوياً».
وتحت عنوان «الدعم والرعاية الطبية لداعش فى تركيا»، يناقش التقرير التهريب عبر الحدود فى اتجاه عكسى من سوريا إلى تركيا، خاصة المصابين الذين يبحثون عن الرعاية الطبية، ونشر التقرير صور عبور الإرهابيين عبر مركبات خارج المعبر الحدودى السورى التركى الاستراتيجى فى «تل أبيض»، لأشخاص أُصيبوا فى أعمال عنف تسبب بها مقاتلو داعش فى «كوبانى» يوم 25 يونيو 2015.
ويبدو أن تنظيم «داعش» تعاقد مع مستشفى «دانيسمانليك» التخصصى بأنقرة لمعالجة مصابيه مناقشات بين «بالى» وصاحب المستشفى، لترتيب دفع مبلغ 62 ألف دولار نفقات علاج 16 مصاباً من مسلحى «داعش» بالمستشفيات التركية، وقد زارهم «بالى» بعلم السلطات التركية، دون إلقاء القبض عليه، ويشكو صاحب المستشفى من تأخر سداد 150 ألف دولار، تكاليف العمليات التى أجريت للإرهابيين، مع ترتيب حجزهم فى غرف خاصة بعيدة عن الأعين لشهور، ووصلت تكاليف الفندقة فيها لأكثر من 40 ألف دولار، مع التنبيه عليهم بحلاقة لحاهم لتفادى الشبهات.
وتضمن تقرير الصحيفة البريطانية، تورط الاستخبارات التركية (MIT)، فى تنفيذ سياسة «أردوغان» بدعم الإرهابيين داخل تركيا وخارجها، وتوفير معلومات لهم لمساعدتهم على تفادى الوقوع فى قبضة الشرطة التركية، وبحسب التحقيق، الذى تلقت «الوطن» نسخة منه، فإنه «يتم تنظيم شحنتين أو ثلاث شحنات أسبوعياً، يتم تسليمها عبر الشاحنات فى مطار «إيزنبوجا» تحت غطاء الليل. دون تدوينها فى السجلات الجمركية أو الشحن الجوى بالمطار»، بحسب مصدر كان يعمل لصالح المؤسسة الأمنية فى تركيا.
وأضاف المصدر: «العملية التى شهدت هبوط الطائرات القطرية المحملة بالأسلحة المشحونة، كانت تدار من قبل وكالة الاستخبارات التركية». ووفقاً للمصدر، فإن عميل المخابرات الذى تم تحديده باسم «أوغر»، أشرف على العمليات، وكان يشغل منصباً كبيراً.
وأكد التحقيق أن المخابرات التركية تستخدم مهربى المخدرات لتهريب السلاح إلى سوريا، ووقعت الحالة الثانية لاعتراض شحنة أسلحة فى 19 يناير 2014، بعد تقرير قدمه ضابط مخابرات تركى يُدعى «جولتيكين أفتشى»، وكان يحقق فى أنشطة تجار المخدرات وعصابة سرقة السيارات التى تعمل خارج العاصمة التركية.
وفى فصل بعنوان: «كيف ضحت تركيا بأحد الدواعش لتخفيف الضغط الدولى؟»، ناقش التقرير إحدى أهم القضايا المتعلقة بتهريب البشر، ففى فبراير 2015، وصلت 3 طالبات بريطانيات مراهقات (شميمة بيجوم، أميرة عباس، خديجة سلطان) إلى مدينة «غازى عنتاب» الحدودية التركية، وقابلهم طبيب الأسنان «محمد الرشاد» المعروف فى أوساط المهربين باسم «الدكتور»، ليتولى إجراءات السمسرة، وتوصيل الفتيات إلى متعاملى «داعش»، لتهريبهن إلى داخل سوريا.
ويرتبط «الدكتور» رسمياً، بحسب الصحيفة، وساعد التنظيم الإرهابى، حزب العدالة والتنمية التركى فى استعادة الأغلبية البرلمانية.